وفيه رفض لحديث مختلف فيه على محمد بن عمرو بأسانيد (من غسل ميتاً فليغتسل)).
قلت: ولهذا اختلفت طرائق العلماء في العمل بهذه الأحاديث، فبعضهم رفضها لضعفها عنده، وبعضهم قال: إن الغسل من تغسيل الميت منسوخ كما ذهب إليه أبوداود ([188])، وأيده الحافظ ابن حجر في كتابه تلخيص الحبير ([189]) محتجاً بالحديث الأخير.
وقال: وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث والله أعلم.
وبعضهم جمع بين الأحاديث فقال: يحمل الأمر في الغسل على الندب أو المراد بالغسل غسل الأيدي كما صرح به في الحديث الأخير، يؤيده ما روي عن ابن عمر قال ([190]): كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل.
قال البيهقي ([191]): (أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب بن أبي حمزة قال: وقال نافع:كنا نغسل الميت فيتوضأ بعضنا ويغتسل بعض ثم يعود فنكفنه ثم نحنطه ونصلي عليه ولا نعيد الوضوء.
وبإسناده قال: أخبرني شعيب قال: قال نافع: قد رأيت عبد الله بن عمر حنط سعيد بن زيد وحمله فيمن حمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ).
قال الخطابي ([192]): (لا أعلم أحداً من الفقهاء يوجب الاغتسال على من غسل الميت ولا الوضوء من حمله، ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب).
أقول: تبين من استعراض الأحاديث والآثار الواردة في المسألة وأقوال العلماء فيها أنه لا صلة لأقوالهم بهذه القاعدة المزعومة فمن صحح الأحاديث جمع أو قال بالنسخ ومن ضعف رجع إلى البراءة الأصلية وأنه لا تكليف إلا بدليل صحيح.
4 - رفع الأيدي عند الركوع وعند رفع الرأس منه:
ذهب القائلون بهذه القاعدة إلى عدم العمل بالأحاديث الواردة في الحض على رفع الأيدي عند الركوع وعند الرفع منه لكون هذه الأحاديث أخبار آحاد مروية فيما يعم به البلوى فلا تقبل.
والأحاديث المشار إليها أحاديث كثيرة وآثار متنوعة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، فمن تلك الأحاديث:-
1 - مارواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ([193]) من حديث مالك بن الحويرث قال: إن رسول الله r كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه. وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه. وإذا رفع رأسه من الركوع، فقال (سمع الله لمن حمده) فعل مثل ذلك.
2 - مارواه الشيخان في صحيحيهما ([194]) عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله r إذا قام للصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه. ثم كبر. فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك.وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك.
أقول: لقد روى كثير من علماء الحديث هذا الحديث في دواوينهم عن هذين الصحابيين وعن غيرهما، وممن روى ذلك: ابن أبي شيبة ([195])، والدارمي ([196])، وأبوداود ([197])، ابن ماجة ([198])، والترمذي ([199])، والنسائي ([200])، وابن خزيمة ([201])، والدارقطني ([202])، والبيهقي ([203])، وغيرهم.
قال الترمذي ([204]): (وفي الباب عن عمر وعلي ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى الأشعري وجابر وعمير الليثي).
قال الحسن البصري ([205]):كان أصحاب رسول الله r يرفعون أيديهم إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع كأنما أيديهم مراوح.
وروى البخاري في (جزء رفع اليدين) ([206]) عن مالك: أن ابن عمر كان إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى.
ونقل البخاري عن شيخه علي بن المديني قوله ([207]): رفع اليدين حق على المسلمين بما رواه الزهري عن سالم عن أبيه.
قال البخاري في (جزء رفع اليدين) ([208]): من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف من بعدهم وأهل الحجاز وأهل المدينة وأهل مكة وعدة من أهل العراق وأهل الشام وأهل اليمن وعلماء أهل خراسان منهم ابن المبارك حتى شيوخنا عيسى بن موسى وأبو أحمد وكعب بن سعيد … .. ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يرفع يديه).
وذكر أنه رواه سبعة عشر رجلاً من الصحابة ([209]).
وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه: العشرة المبشرة بالجنة ([210]).
¥