تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الحافظ ابن حجر ([211]):وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلاً.

قلت: إذا كان هذا الحديث وما في معناه قد بلغ عدد رواة أصله من الصحابة خمسين صحابياً أفلا يكون هذا الحديث من قبيل المتواتر؟!

-وأيضاً - أولم يتحقق فيه أن (صاحب الشرع كان مأموراً بأن يُبَيِّن للناس ما يحتاجون إليه وقد أمرهم بأن ينقلوا عنه ما يحتاج إليه من بعدهم. فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى فالظاهر أن صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم).

أقول: فهل ترك صاحب الشرع بيان هذه السنة لكافة أصحابه وتعليمهم إياها مع أن عدد رواتها قد بلغوا خمسين رواياً؟!!

وبعد: فإنه لا يصح أن يقال: لا يجوز العمل بهذه السنة؛ لأنه لم يشتهر النقل فيها مع حاجة الخاص والعام إلى معرفتها؛ لأن هذا القول يكون حينئذٍ مكابرة مع ما ذكر من عدد رواتها وصحة طرقها وعدم وجود دليل صحيح يعارضها أو يدفعها.

فائدة:-

قال النووي رحمه الله ([212]): (والأحاديث الصحيحة في الباب كثيرةٌ غَيْرُ منحصرة ... )

قلت: بهذه النقول وغيرها تَبَيَّنَ أن قول الجصاص ([213]): (حديث رفع اليدين في الركوع، لو كان ثابتاً لنقل نقلاً متواتراً) قولٌ عارٍ عن التحقيق والتدقيق والبحث العلمي الرصين المتجرد للدليل لا للتعصب المقيت؛ لأنه قد سبق –وسيأتي إن شاء الله- النقل عن أئمة الحديث والأثر روايتهم له من طرق بلغت حد التواتر عند أهل العلم والمعرفة بالحديث وطرقه، وإلا فإن الجصاص ومن قال بقوله إنما هم مخبرون عن حالهم ومبلغ علمهم، وهم صادقون فيما أخبروا به عن أنفسهم مخطئون في حكمهم على أئمة الدنيا من أهل الحديث والأثر ومخطئون-أيضاً - في حكمهم على الحديث نفسه، كما أن القول بما ادعاه الجصاص ومن وافقه فيه فتح باب عظيم من أبواب الشر والفساد لرد سنة سيد المرسلين إذ لا يُعْجِزُ أي شخص لا يريد العمل بالسنة أن يدعي ما ادعوه.

- وأيضاً - مخالف الجصاص ومن معه لا يُعْجِزُهُ أن يقول فيما ادعاه الجصاص ومن معه من تواتر بعض الأحاديث أو اشتهارها بأنها لم تثبت لأنها لو كانت ثابتة لنقلت نقلاً متواتراً، فما كان جوابهم عنها فهو بعينه جواب مخالفيهم.

فائدة أخرى:

قال أبو عبدالله محمد بن نصر المروزي رحمه الله ([214]): (لا نعلم مصراً من الأمصار ينسب إلى أهله العلم قديماً تركوا بإجماعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة إلا أهل الكوفة.

والسبب في ذلك تعلقهم بما روي عن ابن مسعود عن النبي r : أنه كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا مرة في أول شيء) انتهى.

قال ابن عبدالبر ([215]): (هو حديث انفرد به عاصم بن كليب واختلف عليه في ألفاظه وقد ضعف الحديث أحمد بن حنبل وعلله ورمى به).

وقد احتج بعض متأخري الكوفة بحديث مسلم عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله r : ( مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة) ([216]).

قال ابن عبدالبر ([217]): (وهذا لا حجة فيه لأن الذي نهاهم عنه رسول الله r غير الذي كان يفعله لأنه محال أن ينهاهم عما سن لهم وإنما رأى أقواماً يعبثون بأيديهم ويرفعونها في غير مواضع الرفع فنهاهم عن ذلك.

وكان في العرب القادمين والأعراب من لا يعرف حدود دينه في الصلاة وغيرها وبعث r معلماً فلما رآهم يعبثون بأيديهم في الصلاة نهاهم وأمرهم بالسكون فيها وليس هذا من هذا الباب في شيء والله أعلم) انتهى.

قلت: لم يعمل أبو حنيفة وسفيان الثوري والحسن بن حي وفقهاء الكوفة بأحاديث رفع اليدين في الركوع والرفع منه؛ لأنها لم تصح عندهم، مع تمسكهم بما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من عدم رفعه ليديه في تلك المواطن.

والدليل على عدم صحة هذه السنة عند أبي حنيفة رحمه الله ما رواه البيهقي في السنن الكبرى ([218]) حيث قال: (قال: وكيع صليت في مسجد الكوفة فإذا أبو حنيفة قائم يصلي وابن المبارك إلى جنبه يصلي فإذا عبد الله يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع وأبوحنيفة لا يرفع فلما فرغوا من الصلاة.

قال أبو حنيفة لعبد الله: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تكثر رفع اليدين أردت أن تطير.

قال له عبد الله: يا أبا حنيفة قد رأيتك ترفع يديك حين افتتحت الصلاة فأردت أن تطير.

فسكت أبو حنيفه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير