تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدها: أن منكري الإجماع قالوا برعاية المصالح، فهي إذاً محل وفاق و الإجماع محل الخلاف، و التمسك بما التفقوا عليه أولي من التمسك بما اختلفوا فته. الوجه الثاني: إن النصوص مختلفة متعارضة، فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعا، و رعاية المصلحة أمر متفق في نفسه لا يختلف فيه، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعا، فكان اتابعه أولي، و قد قال الله عزوجل: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء» و قوله عليه الصلاة و السلام: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» و قال عزوجل في مدح الاجتماع: «و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا من ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم». و قال عليه الصلاة و السلام: «وكونوا عباد الله إخواناً».

الثالث: قد ثبت في السنة معارضة النصوص بالمصالح و نحوها في قضايا، منها: معارضة ابن مسعود النص و الإجماع، بمصلحة الاحتياط للعبادة كما سبق، و منها قوله (عليه السلام) حين فرغ من الأحزاب: «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» فصلي أحدهم قبلها و قالوا لم يرد منا ذلك و هو شبيه بما ذكرنا

و منها قوله صلي الله عليه و سلم لعائشة: «لو لا قومك حديثو عهد بالاسلام لهدمت الكعبة و بنيتها علي قواعد ابراهيم» و هو يدل علي أن بناءها عل قواعد ابراهيم هو الواجب في حكمها، فتركه لمصلحة الناس.

و منها أنه (عليه السلام) لما أمرهم بجعل الحج عمرة، قالوا كيف و قد سمينا الحج؟ و توقفوا، و هو معارضة للنص بالعادة، و هو شبيه بما نحن فيه.

و كذلك يوم الحديبية، لما أمرهم بالتحلل توقفوا، تمسكا بالعادة في أن أحدة لا يحل قبل قضاء المناسك، حتي غضب صلي الله عليه و سلم و قال: «مالي آمر بالشي فلا يفعل».

و منها ما روي أبو يعلي الموصلي في مسنده، أن النبي صلي الله عليه و سلم بعث أبابكر ينادي: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» فوجده عمر فرده و قال: أذاً يتكلوا، و كذلك رد عمر أبا هريرة عن مثل ذلك في حديث ثحيح، و هو معارضة لنص الشرع بالمصلحة، فكذلك من قدم رعاية مصالح المكلفين علي باقي أدلة الشرع، يقصد بذلك إصلاح شأنهم، و انتظام حالهم، و تحصيل ما تفضل الله به عليهم من الصلاح، و جمع الأحكام من التفرق و ائتلافها عن الاختلاف. فوجوب أن يكون جائزا إن لم يكن متعينا، فقد ظهر بما قررنا، أن دليل رعاية المصالح، أقوي من دليل الإجماع، فليقدم عليه و علي غييره من أدلة الشرع، عند التعارض بطريق البيان.

فإن قيل حاصل ما ذهبتم إليه تعطيل أدلة الشرع بقياس مجرد، و هو كقياس إبليس، فاسد الوضع و الاعتبار، قلنا: وَهَمٌ و اشتباه، من نائم بعد الانتباه، و إنما هو تقديم دليل شرعي علي أقوي منه، و هو دليل الأجماع علي وجوب العمل، بالراجح كما قدمتم أنتم الدجماع علي النص، و النص علي الظاهر، و قياس إبليس و هو قوله: «أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين» لم يقم عليه ما قام علي رعاية الصالح من البراهين، و ليس هذا من باب فساد الوضع، بل من باب تقديم رعاية المصالح كما ذكرنا.

فان قيل الشرع أعلم بمصالح الناس و قد أودعها أدلة الشرع و جعلها أعلاما عليه يعرف بها، فتركُ أدلته لغيرها مراغمة و معاندة له، قلنا: أما كون الشرع أعلم بمصالح المكلفين فنعم، و أما كون ما ذكرناه من رعاية المصالح تركا لأدلة الشرع بغيرها فممنوع، بل إنما تترك أدلته بدليل شرعي راجح عليها، مستند إلي قوله عليه الصلاة و السلام «لا ضر و لا ضرار» كما قلتم في تقديم الاجماع علي غيره من لأدلة، ثم إن الله عزوجل، جعل لنا طريقا إلي معرفة مصالحنا عادة، فلا نتركة لأمر مبهم، يحتمل أن يكون طريقا إلي المصلحة، و يحتمل أن يا يكون.

فان قيل خلاف الأمة في مسائل الأحكام رحمة و سعة، فلا يحويه حصر بحكم في جهة واحدة، لئلا يضيق عليهم مجال الاتساع، قلنا: هذا الكلام ليس منصوصا عليه من جهة الشرع حتي يمتثل، ولو كان لكان مصلحة لوفاق أرجح من مصلحة الخلاف فتقدم، ثم ما ذكر تموه من مصلحه الخلاف بالتوسعة علي المكلفين معارض بمفسدة تَعرِض منه، و هو أن الآراء أذا اختلفت و تعددت اتبع بعض الناس رخص المذاهب، فأفضي إلي الانحلال و الفجور، و أيضا فان بعض أهل الذمة ربما ذراد الإسلام فتمنعه كثرة الخلاف و تعدد الأراء، لأن الخلاف منفور عنه بالطبع، و

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير