ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[03 - 06 - 04, 04:34 م]ـ
المسألة الثانية:
أخي المستمسك بالحق ما ذكرته بقولك (وهذا كما تقدم مثل الدليل الشرعي فأنه أذا جاء الدليل بالوجب فأنه يقتضى الوجوب ولا يقال يجب البحث عن معارض لانه قد يكون للندب.
بل يقال يجب العمل به ثم إذا وجد المعارض نظر في دلالته على الوجوب.).
هذا الكلام هو عين الدعوى التي أدعيتها في أن النص ما متى بلغنا وجب علينا العلم ثم بعد ذلك متى ما ظهر لنا المخصص علمنا بالمخصص.
و الدعوى لا تصلح دليلا بل يجب إقامة البينة على صحة الدعوى.
و الرد على هذه الدعوى هو عينه الرد على دعوى ان يجب العمل بادليل دون البحث عن مخصص.
و نزيد على ما ذكرناه سابقا أن الدليل حين يرد على الصحابة رضوان الله عليهم يكون غضا طريا و هذا فرق مؤثر بين حال النبي صلى الله عليه و سلم و حال من بعدهم.
و هنا فرق آخر أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يحتاجون إلى تعلم اللغة و أصول الفقه و غيرها من علوم الآلة فانهم كانوا يعرفون هذه العلوم بالفطرة.
و فرق آخر هو أن الصحابة رضوان الله عليهم من أشد الناس بحثا و تنقيبا عن الكتاب و السنة و نذكر بعض الأحاديث التي تبين لنا حرص الصحابة على تتبع الكتاب و السنة.
قال عبد الله رضي الله عنه
(والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
(لما قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم قال مرحبا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامى فقالوا يا رسول الله إنا حي من ربيعة وبيننا وبينك مضر وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصل ندخل به الجنة وندعو به من وراءنا فقال أربع وأربع أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا خمس ما غنمتم ولا تشربوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت).
عن عمران بن حصين قال
(إني عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا بشرتنا فأعطنا فدخل ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ثم أتاني رجل فقال يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها فإذا السراب ينقطع دونها وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم).
عن حذيفة رضي الله عنه قال
(يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا).
و كل هذه الأحاديث و الآثار عند البخاري.
و عند مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما من قول عمر رضي الله عنه (وكان لي جار من الأنصار، فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك. وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي، ثم أتاني عشاء، فضرب بابي، ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم، قلت: ماذا؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول ... ).
و غيرها كثير جدا لا يسع المقام لنقلها.
أتظن أن مثل هؤلاء يقاس حالهم بحال من بعدهم بل أتظن أنهم لا يعلمون الخاص قبل العام قبل ورود العام إن كان هناك مخصص يا اخي قياس حالنا بحال الصحابة رضوان الله عليهم من أفسد القياس لذا قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الإمام أحمد (و أكثر نصوصه على أنه لا يجوز لأهل زمانه و نحوهم استعمال ظواهر الكتاب قبل البحث عما يفسرها من السنة و أقوال الصحابة و التابعين و غيرهم) و هذا ليس تقليدا للإمام أحمد و إن كان مثله أهل أن يقلد و لكن لما تبين لي من دليل أنه لا يقاس حالنا بحال الصحابة لا شرعا و لا عقلا.
و أما قول الأخ الفاضل المستمسك بالحق (كما بادر عمرو بن العاص الى العمل بقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) فترك الغسل في البرد ولم يعاتبه الرسول.).
¥