ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[04 - 06 - 04, 12:28 ص]ـ
المسألة الثالثة: و هي قول الأخ الفاضل المستمسك بالحق (هنا قررتم بارك الله فيكم أنه قد يخفى على الصحابة وجود المخصص، فأني أسالك: (هل علم أن من هؤلاء الصحابة الذين خفي عليهم وجود المخصصات من توقف عن العمل بالعام حتى تأكد من عدم وجود المخصص).
كما بادر عمرو بن العاص الى العمل بقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) فترك الغسل في البرد ولم يعاتبه الرسول.).
سأبين للأخ ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يبادرون إلا فيما غلب على ظنهم أو جزموا بعدم وجود المخصص أو وجد المخصص فخصصوا به العام.
و سأذكر عدة أدلة تدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستشكلون كثير من العمومات لأنه يغلب على ظنهم أنها ليس على عمومها و يفهم أن غيرها من العمومات ما بادروا إلى العمل بها و اعتقادها إلا أنها قد غلب على ظنهم عدم وجود المخصص.
الدليل الأول: عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم). شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}).
هذا الحديث يدل دلالة واضحة أن الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا يبادروا إلى اعتقاد أو العمل بكل ما يرد عليهم من غير بحث و اجتهاد.
فهم هنا فهموا عموم الآية و أنه كل من لم يظلم نفسه له الأمن و هو مهتدي و كلمة ظلم في الآية في نكرة سياق النفي و هي تعم كما هو قول جمهور الأصوليين و كما فهمها الصحابة رضوان الله عليهم و لكن هذا العموم استشكل على الصحابة فلم تقبله أنفسهم لما أحسوا أنه فيه مشقة عليهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم و سؤالهم كان بسبب تعارض وجد عندهم بين الآية و بين المشقة التي سيتعرضون لها و هم مستقر عندهم ان هذا الدين لا ياتي بمثل هذه المشقة بل إن الله تعالى يغفر الذنوب و يستر العيوب فكيف ينفى عنهم الأمن العام و الإهتداء العام.
و لو أنهم كانوا يقبلون كل شئ يرد عليهم لما استشكلوا عموم هذه الآية.
الدليل الثاني: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول، عند حفصة " لا يدخل النار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة، أحد. الذين بايعوا تحتها" قالت: بلى. يا رسول الله! فانتهرها. فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها} [19/مريم /71] فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} " [19/مريم /72].
فانظر في هذا الحديث و تدبر به و انظر كيف تعارض عندها العمومان عموم قول النبي صلى الله عليه و سلم (لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة) و عموم قوله تعالى (و إن منكم إلا واردها) و لو أنها تبادر بأخذ ما سمعت من النبي صلى الله عليه و سلم من غير رجوع للمخصصات لما رأيتها ردت على رسول الله تعالى و هذا فيه دلالة واضحة أن الصحابة رضوان الله عليهم ما بادروا إلى العمل بما سمعوه إلا لما عرضوه على علمهم فلم يجدوا له مخصصا و إلا لو وجدوا له مخصصا أتراهم يسكتوا و لا يتكلموا كما تكلمت حفصه رضي الله عنها بل عارضت النبي صلى الله عليه و سلم حتى انتهرها.
و في هذه الآحاديث دلائل أخرى ليس هذا مجال بحثها من أهمهما فهم الصحابة لعموم الأيات و الأحاديث و ما يدل على العموم و ما لايدل عليه و الترجيح بين العمومات و الأدلة و تقديم بعضها على بعض.
و فيها قاعدة تفسيرية مهمة جدا و هي النظر إلى سياق الآيات لبيان معناها فالنبي صلى الله عليه و سلم احتج على حفصة رضي الله عنها بأخر الآية على أولها و بين معنى قوله تعالى (و إن منكم إلا واردها) و أنها ليس على عمومها بان اهل الشجرة يدخلون النار و لا يخرجون منها أبدا و إن كان أهل أهل العلم اختلفوا في معنى الورود في هذه الآية هل هو الدخول أو المرور و لكن ما ذكرنا من قاعدة تدل عليه الآية على كلا القولين.
الدليل الثالث:قال النبي صلى الله عليه و سلم (تحشرون حفاة عراة غرلا). قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: (الأمر أشد من أن يهمهم ذاك).
¥