تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم اعلم أيضاً " إن أهل القياس لفي خلاف شديد حول ما يصح منه وما لا يصح فهو تأصيل لم يفرق منه ولم يتفق عليه ثم عند التطبيق لا تجدهم يتفقون على قياس واحد وإن عسر التقنين للقياس دليل على أنه نشاز في ديننا الميسور، فهؤلاء خيار الصحابة لا تجدهم يستعملون عكساً ولا طرداً ولا دوراناً فإن قلت: هذه ألفاظ اصطلاحية قلت: ولكنهم لم يستعملوا معانيها " (1)، انظر الفصل الذي عقده الإمام ابن القيم في " أعلام الموقِّعين " أمثلة من تناقض القياسيين (1/ 256ـ271) وفصل القياسيون يجمعون بين ما فرق الله ويفرقون بين ما جمع (1/ 271ـ286).

* وقولك (ولا تظن أنهم من أهل الحديث أيضاً) كفانا مؤنة الرد عليك الشهرستاني في " الملل والنحل " (1/ 170) قال:

" أصحاب الجديث: وهم أهل الحجاز؛ هم أصحاب مالك بن أنس، وأصحاب محمد بن إدريس الشافعي، وأصحاب سفيان الثوري، وأصحاب أحمد بن حنبل، وأصحاب داود بن علي الأصفهاني، وإنما سموا: أصحاب الحديث؛ لأن عنايتهم: بتحصيل الأحاديث، ونقل الأخبار، وبناء الأحكام على النصوص، ولا يرجعون إلى القياس ـ الجلي والخفي ـ ما وجدوا خبراً، أو أثراً؛ وقد قال الشافعي: إذا وجدتم لي مذهباً، ووجدتم خبراً على خلاف مذهبي، فا علموا أن مذهبي ذلك الخبر ... ".

قال الإمام ابن القيم في " أعلام الموقِّعين " (1/ 313) عن الظاهرية: وأحسنوا في اعتناهم بالنصوص ونصْرها، والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وبيانِهم تناقض أهلها في نفس القياس وتركهم له، وأخذهم بقياس وتركهم ما هو أولى منه ".

* أما اتهامك بعض الأئمة بأنهم ينتمون للمذاهب الفقهية المعروفة فهذه دعوى تحتاج إلى دليل وبرهان، ولا يكفي ذكر بعضهم في كتب " الطبقات " للمذاهب المعروفة أو تنصيص بعض المتأخرين أنهم ينتمون لمذهب معين، بل آثارهم الموجودة لدينا تدل على غير ذلك، وهب أن الأمر كما تقول فحال الواحد منهم أنه أخذ قواعد وأصول إمامه نظراً واستدلالاً، وليس تقليداً وتنشئة، وهذا خلاف المتأخرون قلدوا إمامهم أمر دينهم في الأصول والفروع، ووظفوا عبقريتهم ومعارفهم للتخريج على مراد إمامهم والتوفيق بين أقواله المتعارضه.

* قولك (وأشار الحافظ ابن رجب إلى التفريق بين الظاهرية وبين أهل الحديث) دعوى بلا برهان وما كان هكذا فلا يلتفت إليها، ومع ذلك أقول: الخلاف واقع بين المذاهب الفقهية " إلى ثلاثة أقسام:

1ـ قسم منها متفق عليه بين الجميع كفرضية الصلاة وعدد ركعاتها، وفرضية الصوم والحج، وتحريم التشبه بالكفار. فهذا نرى أنه يجبُ العمل به على كل مسلم.

2ـ وقسم فيه خلافٌ، ولكنه خلافُ تنوُّع لا خلاف تضادَّ، مثل أدعية الاستفتاح والتشهد المختلفة وقراءات القرآن، فهذا يجوز فيه العمل بأي واحد منها ما دام ثابتاً في الكتاب والسنة، والأفضل تنويعُها فيعمل بهذا مرة، وبذلك أخرى، وهكذا.

3ـ وقسم فيه اختلافٌ شديدٌ، ولا يمكن الجمع بين الآراء المختلفة فيه بوجه من وجوه الجمع المعروفة، ومثله نقضُ الوضوء بمسِّ الرجل المرأة الأجنبية، ونزولِ الدم، وأكل لحم الإبل، ومثل التزام القُنوت في صلاة الفجر في غير النازلة وغير ذلك.

وهذا النوعُ نرى أنه يجبُ فيه البحث عن الحقِّ والصواب في المذاهبِ كلِّها لا في مذهبٍ واحدٍ مُعَيَّنٍ منها، فعلى من يستطيع الاجتهادَ أن يستعرض آراء المذاهب المختلفة وأدلتها، ثم يأخذ بالأقوى والأرجح من حيث الدليل، لأن الحق ليس محصوراً في مذهب واحدٍ منها بل هو مُشاعٌ ومشتركٌ بين جميعها، فقد يكون الحق في مسألة مع مذهب أبي حنيفة، وفي ثانية مع الشافعي، وفي ثالثة مع داود، وفي رابعة مع الأوزاعي، وخامسة مع أحمد، وهكذا، فلو تمسَّكنا بمذهب واحد، والتزمناه، لأضعنا كثيراً من الحقِّ الموجود في المذاهب الأخرى وهذا مما لا يجوزُ أن يفعَلَه مسلمٌ عاقلٌ.

ولما كان لا سبيل لمعرفة الحق مما اختلفت فيه المذاهب إلا بالرجوع إلى السنة، جعلها الدعاةُ إلى السنةِ الأصلَ الذي يرجعون إليه، والأساس الذي يبنون آراءهم وأفكارهم عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير