قال شيخ الإسلام ( ... وحجة هؤلاء ان الوعيد من الأمور العلمية فلا تثبت الا بما يفيد العلم وأيضا فان الفعل اذا كان مجتهدا فى حكمه لم يلحق فاعله الوعيد فعلى قول هؤلاء يحتج باحاديث الوعيد فى تحريم الأفعال مطلقا ولا يثبت بها الوعيد الا أن تكون الدلالة قطعية ومثله احتجاج اكثر العلماء بالقراءات التى صحت عن بعض الصحابة مع كونها ليست فى مصحف عثمان رضي الله عنه فانها تضمنت عملا وعلما وهي خبر واحد صحيح فاحتجوا بها فى اثبات العمل ولم يثبتوها قرآنا لأنها من الأمور العلمية التى لا تثبت الا بيقين
وذهب الأكثرون من الفقهاء وهو قول عامة السلف الى أن هذه الأحاديث حجة فى جميع ما تضمنته من الوعيد فان أصحاب رسول الله والتابعين بعدهم مازالوا يثبتون بهذه الأحاديث الوعيد كما يثبتون بها العمل ويصرحون بلحوق الوعيد الذي فيها للفاعل فى الجملة وهذا منتشر عنهم فى أحاديثهم وفتاويهم وذلك لأن الوعيد من جملة الأحكام الشرعية التى ثبتت بالأدلة الظاهرة تارة وبالأدلة القطعية أخرى فانه ليس المطلوب اليقين التام بالوعيد بل المطلوب الاعتقاد الذي يدخل فى اليقين والظن الغالب كما أن هذا هو المطلوب فى الأحكام العملية
ولا فرق بين اعتقاد الانسان أن الله حرم هذا وأوعد فاعله بالعقوبة المجملة واعتقاده ان الله حرمه وأوعده عليه بعقوبة معينة من حيث أن كلا منهما اخبار عن الله فكما جاز الاخبار عنه بالأول بمطلق الدليل فكذلك الاخبار عنه بالثانى بل لو قال قائل العمل بها فى الوعيد أوكد كان صحيحا ... )
فقبول الصحابة لخبر الواحد كما هذا الحديث أقصى ما فيه هو قبول خبر الواحد قولا و عملا و ليس معنى هذا أنهم جزموا بهذا الخبر و إنما غلب على ظنهم صحة هذا الخبر فعملوا كما أن الصحابة يعلمون دخول وقت الصلاة بأذان المؤذن مع ان المؤذن قد يكون أخطأ و لكن لما غلب على ظنهم الصحة تابعوه على ذلك.
و أما قوله (وتركت ما هو مرفوع قطعي الدلالة في المسألة ... ).
ما ذكرته أنا رد بعض الصحابة لأحاديث مرفوعة رواها صحابة أخر فما الفرق بين حديث القبلة أو حديث أبو موسى الأشعري و بين الأحاديث التي نقلتها إلا أن ما نقلته أنا رده الصحابة حتى يثبتوا منه و ما نقلته أنت قبله الصحابة من غير تثبت فهل أحاديثك مرفوعه و أحاديثي موقوفة سبحان الله.
و أي دلالة أقطع من أحاديث صحيحة متلقاة بالقبول من الأمة تدل دلالة قطعية على توقف كبار الصحابة عن قبول أحاديث منقولة عن كبار الصحابة فكيف يفسر الأخ الفاضل الصحابة قبولهم لخبر الإثنين و توقفهم عند خبر الواحد كما في الأدلة التي سقتها و غيرها كثير إلا أن خبر الواحد يحتمل الخطأ أكثر من خبر الأثنين و هذا هو عينه معني قولي أنه لا يفيد العلم القطعي إلا مع احتفاف القرائن.
فحديث تحويل القبلة أخرجه البخاري و مسلم عن البراء بن عازب قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) فوجه نحو الكعبة وكان يحب ذلك فصلى رجل معه العصر ثم مر على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد وجه إلى الكعبة قال فانحرفوا وهم ركوع).
فالحديث لا يدل دلالة قطعية على إفادة خبر الواحد العلم القطعي و غايته قبول خبر الواحد و لا أعرف من أين علم أنه يدل على إفادة القطع بأن خبر الواحد يفيد العلم إلا على أصل المتكلمين أنه لا ينسخ الظن الغالب المقطوع به و لا يخصصه و لا يقيده.
و أما عدم سؤال الصحابة عن خبرالواحد هل صحيح أم لا؟
فلا يشترط السؤال في كل خبر واحد فمن أراد التثبت سأل و من لم يرد ذلك لم يسأل و ليس معنى أن بعض الصحابة لم يسألوا عن صحة خبر الواحد أنهم أفادهم العلم لأنه ليس من شرط قبول الحديث و العمل به العلم فغلبة الظن تكفي في ذلك عند السلف و قد يصلوا إلى العلم بما يعرفونه من قرائن تحف بخبر الواحد قال شيخ الإسلام (فإذا كان كثير مما تنازعت فيه الأمة من هذه المسائل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبها لا يقدر فيه على دليل يفيده اليقين لا شرعي ولا غيره لم يجب علي مثل هذا في ذلك ما لا يقدر عليه وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قوي غالب على ظنه لعجزه عن تمام اليقين بل ذلك هو الذي يقدر عليه لا سيما إذا كان مطابقا للحق فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به الفرض إذا لم يقدر على أكثر منه ... ).
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[19 - 01 - 05, 10:26 ص]ـ
الدليل السابع: عن حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه قال كان معاذ بن جبل يتحدث بما لم يسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسكت عما سمعوا فبلغ عبد الله بن عمرو ما يتحدث به فقال والله ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا وأوشك معاذ أن يفتنكم في الخلاء فبلغ ذلك معاذا فلقيه فقال معاذ يا عبد الله ابن عمرو إن التكذيب بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاق وإنما إثمه على من قاله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد والظل وقارعة الطريق) أخرجه ابن ماجه و صححه الألباني.
¥