فمتى قوبل المقطوع بالمظنون من حيث الثبوت انقضت المسألة ولم يبحث بعدها عن القول في الدلالة ما جهتها
......... هذا إشكالي القديم في هذه المسألة علقته على قواطع الأدلة في موضعه
غير أني لا زلت أقول بقول الجمهور في هذه المسألة لكن من مسلك آخر
وهو أن اتفاق الأمة حاصل على وجوب العمل بخبر الواحد غير شراذم قليلة لا يعتد بخلافهم
فإذا وجب العمل به فلا مفرَّ من القول بالتخصيص، لأنه بدونه لا يكون عملٌ
فإن أوردوا علينا القول بنقض استغراق العموم
رُدَّ بكون دلالة العموم على أفراده ظنية .....
لا أنها ـ أي دلالة العموم الظنية ـ بمقابلة ثبوت الخبر الظنية والعكس كما تقدم لما فيه من إشكال والله تعالى أعلم.
ونعود إلى مسألة تحويل القبلة
والمسألة هنا نسخ لا تخصيص
وهما وإن كانتا متقاربتان
لكن بينهما خلاف
فنقول باختصار شديد
الآية قطعية الثبوت مظنونة استصحاب الحكم في الزمن الباقي
وخبر الواحد مظنون الثبوت قطعي الدلالة
فيكون المنسوخ من الآية مظنونا لا مقطوعا فيه ـ وهو استصحاب الحكم في الزمن الباقي ـ.
واما قول الأخ مصطفى بارك الله فيه:
(((إن فعل عمر مع أبي موسى الأشعري لم يكن سنة ومنهجا متبعا منه رضي الله عنه، وإنما هي حادثة استوجبت منه التثبت ولم يكن يفعل ذلك في كل مرة.
وإن قلتم بل هذا الفعل يفيد أنه لا يؤخذ القول حتى يؤيد بالقرائن،
قلت هذا قولنا: ولذلك اصطلح العلماء على أن لا يقبل الخبر حتى يستوفي شروطه الخمسة من اتصال السند وعدالة الرواة وضبطهم والخلو من الشذوذ والعلة)))
فإن فيه إشكال
إذ كون فعل عمر رضي الله تعالى عنه لم يكن سنة ومنهجا متبعا منه لا يكفي في الاستدلال للمطلوب إذا علمت أن اتفاق الأمة حاصل على العمل بالظن الراجح ..........
وأما جعلك استيفاء الخبر الشروط المذكورة من الخلو من الشذوذ والعلة وغيرها قرينة لحصول العلم فلا، لأن خبرا هذه صفته لا خلاف في وجوب العمل به إلا من لا يأبه لقوله .....
فإذا اعتبرت هذه الصفات قرينة لحصول العلم
مع اعتبار هذه الشروط في ثبوت الأخبار
خلصنا إلى أنه لا خلاف في هذه المسألة، ـ لأن الجميع يقولون بهذه الشروط ويلزم من ذلك القول بإفادة العلم عند الجميع على ما تقول ـ، والحال أنا مختلفون فيها ..... فتأمل
وأما قولك (((إن كان الخبر الذي يوجب العلم عندكم هو المتواتر فأقول إن المتواتر من شرطه رواية الجمع من الرواة في كل طبقة من طبقات السند بما فيها طبقة الصحابة، وإلا فهو خبر آحاد)))
فالذي يظهر من كلام الأخ عبد الرحمن المخلف ـ بارك الله فيك وفيه ـ القول بإفادته العلم مع القرائن.
وقولكم (((خذ على سبيل المثال حديث (عند القائلين بصحته) سماك عن عكرمة عن ابن عباس في الرجل الذي رأى الهلال، تأكد النبي من إسلامه وأمره بإخبار الناس بذلك ولم يطلب منه الإتيان بمن يعضد ادعاءه)))
فجوابه (على القول بصحته) ما تقدم في قصة عمر وأبي موسى رضي الله تعالى عنهما ...
ثم تأمل أخي الحبيب فرقا بين حديث ذي اليدين وحديث رؤية الهلال
ولاحظ أن الأول متعلق فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثاني متعلق فعل غيره
فإذا لوحظ هذا الفرق عُرفَ سبب سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأول دون الثاني
والأقرب ـ والله تعالى اعلم ـ أن خبر الواحد (كما في حديث رؤية الهلال) يجب العمل به، إذ لا معارض يدفعه فدرج على الأصل ـ وهو وجوب العمل به ـ لا انه أفاد علما قطعيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الناس بالصيام، إذ علم بالبداهة أنه ليس كذلك، لأن احتمال الخطأ فيه واقع لا محالة، إلا أن يأتي المخالف بدليل ينقض هذا، وهذا مما لا سبيل إليه ........
واما حديث ذي اليدين رضي الله تعالى عنه فعارضه ما يدفعه من ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجب سؤاله من يحصل العلم بخبرهم .........
فالأمر آل إذن إلى وجوب العمل في الأول
والترجيح في الثاني
لا إلى حصول العلم وعدمه
وليعلم أن القدح في الاستدلال بحديث ذي اليدين رضي الله عنه لا يقدح في مسألتنا
إذ أصل الاستدلال الذي ذكره الشيخ عبد الرحمن يكفي للمطلوب
وهو طرو الخطأ والنسيان
وقلتم:
إن تلقي الأمة بالقبول لخبر الواحد قرينة كافية لإفادة العلم.
قلت:
أنعم بها قرينة
هذا هو الصواب الذي لا بد منه
وعليه الأكثرون
¥