و ذكرت أنا بعض الأدلة على ذلك فالأحاديث في بيان أن خبر الواحد لو كان يفيد العلم الضروري لما توقف عمر رضي الله عنه في قبول خبر ثقة ثبت من كبار الصحابة و لأحتج عليه الأنصار بأنك مخطئ يا عمر لأنك لم تقبل خبر الواحد الثقة الثبت لأنه يفيد العلم.
فما أدين الله به قبول خبر الواحد الصحيح قولا و عملا ابتداءا من غير تثبت و أما التثبت فهو استثاء و ليس أصل.
و أما قولك (أما جوابي على مسألة سيدنا عمر هي أنه كان من أكثر الناس ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وبينهما مصاهرة، يلزم منها العلم بمسألة الاستئذان ونحوها، مما دعاه إلى الاستغراب وعدم قبوله الأمر بداية، لكنه لما شهد أبو سعيد الخدري، اطمأن قلبه، بل ولام نفسه رضي الله عنه، بقوله "شفلني عنه الصفق بالأسواق! "
هذا جوابي على حديث عمر رضي الله عنه،).
كلام يلزم أن هذا منهج لعمر فهو على هذا الأصل يتوقف في كل ما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه و سلم حتى يثبت له صحته لأمنه كان ملازما للنبي صلى الله عليه و سلم و مصاهرا له.
و هذا أصل باطل يعرفه من تتبع حال عمر رضي الله عنه مع الصحابة رضوان الله عنهم نعم قد يتوقف في بعض الأحاديث و لكن غالب ما يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم من غيره كان يقبله رضي الله عنه.
الأمر الآخر قول عمر رضي الله عنه (ألهاني الصفق في الأسواق) فيه دلالة واضحة أن عمر رضي الله عنه خفي عليه الكثير من سنة النبي صلى الله عليه و سلم فسنة مثل هذه خفيت عليه و علمها الأنصار فغيرها أولى بالخفاء عنه.
و أما ملازمته للنبي صلى الله عليه و سلم فهذه ليس على إطلاقها عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه فقال له مروان بن الحكم أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه قال عبيد الله في حديثه قال لا قال فبلغ ذلك ابن عمر فقال أكثر أبو هريرة على نفسه قال فقيل لابن عمر هل تنكر شيئا مما يقول قال لا ولكنه اجترأ وجبنا قال فبلغ ذلك أبا هريرة قال فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا).
فالصحابي قد يكون سمع الحديث من النبي صلى الله عليه و سلم و نساه و النسيان كما يقال أخو الجهل فيمنع من كمال التبليغ كما أن الصفق في الأسواق يمنع من كمال التلقي.
عن أبي هريرة، قال: " إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى قوله الرحيم إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون "
قال أبو هريرة رضي الله عنه: يقول الناس: أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلا، فقلت: بما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري؟ فقلت: لم تشهدها؟ قال: بلى، قلت: لكن أنا أدري " قرأ سورة كذا وكذا "
عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن الناس، كانوا يقولون أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية، هي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها فنلعق ما فيها "
عن جرير بن حازم، قال: سمعت نافعا يقول: حدث ابن عمر أن أبا هريرة رضي الله عنهم يقول: " من تبع جنازة فله قيراط " فقال: أكثر أبو هريرة علينا، فصدقت يعني عائشة أبا هريرة، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فقال ابن عمر رضي الله عنهما: " لقد فرطنا في قراريط كثيرة " " فرطت: ضيعت من أمر الله "
عن أبي هريرة قال: " ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب "
فهذا أبو هريرة من متأخري الصحابة و لم يكن مصاهرا له سمع من النبي صلى الله عليه و سلم ما لم يسمع عمر و حدث عن النبي صلى الله عليه و سلم ما لم يحدث عمر رضي الله عنه.
و أما قولك (أما اشتراط التواتر لقبول العقائد هو محل تعليقي، فلا في حادثة عمر بن الخطاب ولا غيرها ما يصلح دليلا عليها، بحيث أنها كلها تفيد محاولة التثبت من الخبر لوجود القرائن الداعية إليه،
فإن كنتم ممن يشترط التواتر فبينوا حتى نحرر محل النزاع، إذ أنكم لم تبينوا لنا رعاكم الله مقصدكم من القرائن!؟؟).
مدار الكلام كله على هل يفيد خبر الأحاد المجرد عن القرائن العلم؟
و ذكرت أنا بعض الحاديث الدالة على أنه لا يفيد العلم فلا أعرف ما وجه إيراد هذا السؤال.
فما أدين الله به أنه هذا التقسيم مبتدع محدث ما انزل الله به كمن سلطان فخبر الواحد يجب قبوله في جميع أقسام الدين و لا يشترط في العقائد التواتر.
فالأخ غفر الله له لا يتدبر في كلام مخالفه فقليل من التدبر يصل إلى النتجية التي ذكرتها.
فلا وجه لإيراد ذكر التواتر هنا فالكلام في خبر الأحاد لا في المتواتر و أهل العلم إذا ذكروا القرائن يريدون بذلك الأحاد لا المتواتر لأن المتواتر لا يحتاج إلى قرائن في إفادته للعلم فتدبر.
و دائما أذكر في كلامي هذه الجملة (خبر الأحاد المحتف بالقرائن) فلو غيرنا هذه الجملة و قلنا (خبر الأحاد المتواتر) فهل يستقيم هذا في بداهة العقل فالرجاء من الأخ عدم الإستعجال حتى لا نلتزم الرد على كلام نحن في غنى من الرد عليه.
و ذكري لحادثة عمر رضي الله عنه من باب بيان أن خبر الواحد غير المحتف بالقرائن لا يفيد العلم لا في بيان أن خبر الأحاد لا يقبل في العقائد.
¥