تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم جاء من بعدهم كالشافعي فتفقه على أصول مذهب أهل الحديث (الحجاز) ثم جامع محمد بن الحسن وشافهه وناظر أهل الرأى فصار عنده علم بالطريقتين.

وكان أهل الرأى يستطيلون على أهل الحديث بما عندهم من اللسن وبعض الحجاج فجاء الشافعي فنظر علم الأصول ورتب الدلائل لأهل الحديث كما قال أحمد كانت أقضيتنا بيد اهل الرأى حتى جاء الشافعي فنزعها منهم أو كما قال رحمه الله.

قال البيهقي في المدخل: (وكان من مضى من علماء أهل المدينة لايعرفون مذاهب أهل الكوفة وأن أهل الكوفة يعرفون مذاهب أهل المدينة فكانوا أذا ألتقوا وتكلموا ربما أنقطع المدني فكتب الشافعي مذاهبهم ودلائلهم ثم لم يخالفهم إلا فيما ضعفت فيه حجة الكوفيين).

ثم إن الشافعي انتخب لما بلغ الغاية ا وكان من أصحاب مالك و ظهر امره وتمكنت ملكة الاجتهاد في نفسه بما فتح الله عليه من صنوف الحكم والعلم والفقه واللسان فاستقل وقامت له الاتباع وحقق أصوله و نظر الى المسائل من وجوه يخالف بعضها أصول مالك وقضاياه فصار بذلك في درجة مالك رحمهم الله جميعا.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: (ثم إن الشافعي لما كان مجتهدا في العلم ورأى من الأحاديث الصحيحة وغيرها من الادلة ما يجب عليه اتباعه وإن خالف اصحابه المدنيين .... وصنف الاملاء على مسائل ابن القاسم وأظهر خلاف مالك) أنتهى.

فصار ينتسب للشافعي قوم جرت بينهم وبين المالكيين محن وصار مذهب الشافعي ظاهرا بمصر ثم ظهر بالشام على يد ابي زرعة الدمشقي ثم بخراسان على يد ابي زرعة الرازي وغيرهم وقد كان له في العراق شئ من الظهور على يد قدماء اصحابه كالزعفراني وغيره.

و استمرت هذه السنة وهي اتباع طلاب العلم وحملته لبعض الخاصة من أهل العلم يجرون قضاياهم ومسائلهم على أصولهم مثل الاوزاعي والثوري وسحاق وبو ثور ثم الطبري وداود الاصبهاني وغيرهم من المجتهدين المطلقين.

وكان تبعتهم أيضا من أهل الاجتهاد وربما خالفوا اصحابهم في مسائل كثيرة غير انهم يجرون على أصولهم كما تقدم.

واستمرت هذه السنة ككما هو ظاهر لك سنة مطروقة من لدن التابعين الى من بعدهم.

ثم اندثر اصحاب المذاهب واندثرت طرائقهم وبقي من اصولهم فروع يسيرة. وأراد الله سبحانه ان يظهر اربعة مذاهب ويقوم عليها اصحابها.

جمعا وترتيبا وتأصيلا وتحقيقا.

والمذهب ليس بعبارة عن اجتهاد الامام فحسب! كما يظن كثير من الناس.

الامام هو واضع لبنته الاولى وباني اصوله الاولى، لكن تتابع على بناء المذهب فحول من أهل العلم يترادفون في أثراء المذهب وبقر مسائله وجعلها خاضعة لاصول منضبطة.

وهذا ما لن تجده في مذهب آخر غير المذاهب الاربعة.

ليست المسألة مجرد أصول تستنبط منها المسائل لا. فأن القول بهذا إجحاف وجهل بحقيقة المذاهب.

المذهب يترادف عليه اللغوى فيحرر القول في لغته ويترادف عليه الاصولي والفقيه والمحدث فيحرر احاديثه الم تر فعل البيهقي في مذهب الشافعية والطحاوي عند الحنفية وابن عبدالبر عند المالكية، أما أحمد فذلك النجم فهو أهل الحديث ومادته.

انظر الى المذاهب الاربعة تجد بناتها في مرحلتها الاولى جماعة من المجتهدين ابو حنيفة، محمد بن الحسن، ابو يوسف يعقوب، الحسن ... وغيرهم.

المالكية مالك، ابن القاسم، يحي بن يحي ... وغيرهم.

الشافعية، الشافعي المزني البويطي .. وغيرهم.

أحمد الاثرم ابو داود ومن بعدهم الخلال.

هذا في المراحل الاولى. فكيف بما بعدها على تتابع السنين والعلماء.

ثم صار يناظر للمذهب وينتصر له فصنفت القواعد له و سردت اقواله، وضبطت اصوله.

فصارت مذاهب أهل الحديث المحفوظة ثلاثة ومذهب أهل الرأى واحدا.

وإحكمت المذاهب وضبطت كما قال الخطابي رحمه الله: (وعلى هذا عادة كل فرقة من إحكام مذاهب أئمتهم وأستاذيهم).

أذا ليس الانتساب الى مذهب يتفقه عليه الانسان ببدع من القول فهذا أمر جرى من زمن التابعين وانما ابدلت الذوات مذاهب لاتساع المسائل وتردافها وضعف الاصول والقواعد، وهذا أحكم واضبط.

وأما القول بانه يمكن طلب العلم بدون مذهب فهذا من جنس التجويز العقلي ليس له نصيب من الحقيقة.

و قد قضت سنة الله ان يتشعب العلم ويحصل هذا الانقسام بين الفريقين سنة من الله مكتوبة، ومن رام طلب العلم من غير فريق من الفريقين فقد ابعد النجعة.

فكيف يصور الطالب المسائل وكيف ينسق الدلائل ولكل فريق طريقة يسلكها وسبيل يجوزها.

وان قيل ما الدليل على الوجوب قلنا ما لايتم حفظ ناموس العلم الا به فهو واجب والوسائل لها احكام المقاصد.

ومن قال يستطيع الطالب المبتدى طلب العلم بدون ان يعتمد مذهبا يؤسس عليه بناينه فليخرج لنا طريقته وليبين لنا مسلكه وليطرحه بين يدينا فأنا منتظرون.

ونخلص من هذا المقال الى ان التزام الطالب منهج عالم، ثم طريقة فريق ليس بدعة لم يقل بها الا احمد والشافعي بل هي سبيل حملة العلم من لدن التابعين كما تقدم.

ونخلص الى أن الفقه لايحصل بحقيقته الا بأمرين (أصول) و (فروع) وان الطالب عاجز في هذا الزمن عن استنباط أصول يقول بها ويبنى عليها فروعه فاللسان خامل لايساعده، ويحتاج الى تصوير للمسائل يقول به ولايملك ان يتصور المسألة بلا سابق نظر يقوده اليها، فأعوزه الأمر الى طريقة يسلكها ومذهب يقوم عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير