أما الادلة الاجمالية فهي التى لاتتعلق بحكم معين بل يقرر الدليل دون النظر الى الحكم الذي يندرج تحته.
فالأصولي يبحث في الدليل وصورته وطريقة الاستدلال به واحكامه كبحثهم في أول الأدلة وأعظمها وهو: الكتاب محكمه ومتشابهه و حكم آيه وسوره، ودليل القياس حجيته واحكامه وشروطه وطرائقه وعلله، والبرهان واحكامه واشكاله، وكذلك دقائق الادلة ومتعلقاتها كالناسخ والمنسوخ وكيفية معرفة الناسخ من المنسوخ .. الخ
فيأتي الفقيه ويحتج بالقياس على مقتضى القواعد التى أصلها أهل الأصول فوظيفة الفقيه تطبيق هذا الدليل أما بحثه وحجيته فوظيفة الأصولي.
والأصولي يبحث ايضا في الأحكام الكلية دون الجزئية، كالصحة والبطلان و والوجوب والتحريم.
أما تطبيقها على المسائل والفروع وعلى حوادث الناس فوظيفة الفقيه ايضا.
(وكيفية الاستفادة منها) أي أن علم الأصول يبحث الادلة من حيث هي ثبوتا وعدما، ثم كيفية الحكم بها فيبحث حكم القياس وحجيته واركانه ثم كيفية المقايسة به. وليس المقصود به تطبيقه على الفرع بل المقصود استنباط الحكم الكلي من الدليل الشرعي. لآن تطبيقه على الفروع من وظائف الفقهاء.
(وحال المقتبس وهو المجتهد) أي حال المستدل وقوله (وهو المجتهد) يخرج المقلد لأنه لايطالع الأدلة ولايستنبط منها وقد نقل الاجماع غير واحدا من أهل العلم على أن المقلد لايستحق لقب فقيه.
ولو وقف وقف على الفقهاء فأن أرجح الاقوال ان المقلد لاينتفع بهذا الوقف.
(والفقه لغة: الفهم) والعلم بالشئ والفطنة له.
قال ربنا: (فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا) وقال سبحانه وتقدس حكاية قوم شعيب (ما نفقه كثيرا مما تقول).
وقيل معرفة مراد المتكلم ومنه قولك: (فقهت كلامك) - ذكره السمعاني واختاره الرازي -، وقيل الفهم الدقيق.
والتحقيق أن الفقه يطلق على هذه المعاني وليس واحد منها مختص بحقيقته دون الآخر، فمطلق الفهم هو: (فقه لمعنى الكلام) وهذا الفقه على درجات كما ان الفهم على درجات وقد يقال للرجل فَهِمٌ أي سريع الفهم على سبيل التمدح.
(واصطلاحا: معرفة أحكام الشرع المتعلقة بأفعال العباد)
هذا التعريف الاصطلاحي للفقه: فقوله احكام الشرع خرج بها أحكام العقل كأن الواحد نصف الأثنين، و أحكام الحس كمعرفة ان النار محرقة، وقوله معرفة ما يتعلق بافعال العباد من الاحكام وهذا يخرج ما يتعلق باعتقادات العباد لأن محلها علوم العقيدة.
ومثاله معرفة حكم الصلاة أو معرفة حكم مسألة في البيع.
(والأصل: مايبنى عليه غيره فأصول الفقه أدلته) الأصل في اللغة يطلق على معاني منها ما ذكره المصنف من أنه الشئ الذي يبنى عليه غيره ويسمى (الفرع).
كأصل الشجرة وفرعها. قال ربنا: (كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء). وأصل الدار أي أساسه.
ويدخل فيه البناء المعنوى كأصل الحكم أي دليله، وقيل من ظهر منه الشئ كالأب (أصل) والولد (فرع) ومنه أصل النسب (وقد يجتمعان كما في الآية السالفة) وهذا الذي عرّف به البزدوي الأصول كما في الحجج الشرعية إذ قال: (فأن أصول الفقه هذه الاشياء الثلاثة (1) سميت أصول فقه لأن الفقه فيها).
ويراد به منشأ الشئ كقولهم أصله من كذا للمصنوع او الغريب.
والغرض منه: معرفة كيفية اقتباس الاحكام (من الأدلة وحال المقتبس (2).
الغرض من أصول الفقه معرفة كيفية أقتباس الأحكام و استنباطها من الأدلة وهو المقام العظيم الذي شرف به هذا العلم، لأن أصول الفقه ميزان الفهم و ضابط الاستنباط.
والفقه علم تتجدد مسائله و تتكاثر فروعه فهو محتاج الى أصول تضبط فهم الفقيه فلا يزل، و تعرفه مواطن الخطل فلا يضل، والفقه ايضا محتاج الى أصول يتراجع اليها المتخالفون ويتحاكم اليها المتنازعون.
قال السمعاني رحمه الله: (ولأن علم الفقه علم على منهج الازدياد لأنه العلم بأحكام الحوادث و لاحصر ولاحد للحوادث ولا حصر ولاحد للعلم بأحكامها ومواجبها .... وما يشبه الفقيه إلا بغواص في بحر فكلما غاص في بحر فطنته استخرج درا وغيره يستخرج آجرا) (3) انتهى.
وفي علم الأصول وزن للكلام الصحيح من المدخول، و فيه إعانة للفقيه على دقة الاستباط و أستلال دقائق المعاني و لطيف الاحكام.
¥