فيخرج المجنون فليس بمكلف فقد ارتفع عقله، والصبي غير المميز فعقله ناقص جدا، فيلحق بالفاقد (المجنون) ولأن المجنون قد يكون معه أصل عقل ونوع تمييز (بمعنى الفطرة) يعلم فيه بجوعه وعطشه ويطلب ويظهر بعض الذي يرغب ولكنه لايصل الى درجة المغفل،وليس المقصود مطلق التمييز إذ هذا حاصل للبهائم فأنها تفرق بين ما يضرها وما ينفعها بالتجربة وهي تشتهى اكلا معينا وتعاف آخر، وانما المقصود خصوص التمييز بمعنى فهم الخطاب ورد الجواب.
فيستوى الصبي غير المميز والمجنون في ارتفاع العقل مع وجود أصله والنائم فقد غيب عقله فيلحق المغيب عقله بالمرتفع عنه عند بعض أهل العلم كما يأتي رده.
ثانيا: أن يكون بالغا:
والبلوغ معلوم فيخرج الصبي المميز غير البالغ ويشبه الصبي المميز المغفل شديد الغفلة وهذا يجري فيه خلاف يأتي ذكره بأذن الله.
* وذهب بعض أهل العلم الى أن شرط العقل لايصح الا اذا قرن بفهم الخطاب، وهو مذهب اصحابنا والجمهور قال الطوفي في شرح المختصر: (أي أن يكون عاقلا يفهم الخطاب ولابد منهما جميعا إذ لايلزم من العقل فهم الخطاب لجواز أن يكون عاقلا لايفهم الخطاب كالصبي والناسي والسكران والمغمى عليه فإنهم في حكم العقلاء مطلقا أو من بعض الوجوه وهم لايفهمون). اهـ
وذهب أكثر أهل (الكلام) الى ان المرفوع عنه عقله والمغيب عنه ليس بمكلف والحجة عندهم في العقل والنقل، أما العقل فأنهم قالوا هذا الذي وصفتموه بانه مكلف كالمغمي عليه لاتوجبون عليه الفعل والكف في حاله تلك، ولايملكه أصلا حال غياب العقل! وانما اوجبتم عليه القضاء بعد عود عقله وهذا ليس بمعنى التكليف بل هو بمعنى تجدد الامر فكأنه وقع عليه التكليف بعد الافاقة، واما النقل فقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاث وذكر منهم النائم حتى يستيقظ .. الحديث).
فجعل النائم مرفوع عنه التكليف غير مؤاخذ بفوات الامر او وقوع النهي.
قلت: أصوب الاقوال في هذا قول الاصحاب وهو ان النائم والمغمى عليه مكلف.
أما تحرير الامر والتدليل عليه ففي مسائل:
اولها: أن بعض المخالفين لنا خلافنا معهم لفظي فهم يعنون بعدم التكليف سقوط الاثم ونحن نعنى تحقق الايجاب وتعلقه بالمكلف ودليلنا انه يأتي بما فاته وليس قولهم انه يقضى بأمر سابق بالمسلم به، إذ انه لو كان غير مكلف لما لزمه قضاء الفائته بعد الافاقة لان الفائتة قد ذهب زمن وجوبها.
ونحن نحجهم في هذا، اليس المحنون الذي استفاق بعد فوات وقت الصلاة ليس مأمورا عندنا ولا عندكم بقضاء الصلاة!
فما الذي فارق بين المجنون والمغمى عليه الا ان الاول ليس بمكلف والاخر مكلف وانما عفى عنه الاداء لحاله وقت وجوب الاداء، ولذلك لم يسقط عنه التكليف بعد افاقته.
قال ابن اللحام: (يحمل قول من قال (ليس بمكلف حال نسيانه) على أنه لاإثم عليه في تلك الحال في عفل او ترك وأن الخطاب لم توجه اليه، وما ثبت له من الاحكام فبدليل خارجي وحتمل قول من قال (هو مكلف) على أن الخطاب توجه اليه وتناوله وتأخر الفعل الى حال ذكره وامتنع تأثميه لعدم ترك قصده لهذا) اهـ.
قال في المسودة: (قال والد شيخنا: النائم والناسي غير مكلفين، ذكره المقدسي وذكر قوله (لاتقروبا الصلاةوانتم سكارى) وأجاب عنه.
قال شيخنا: وكذا ذكره ابن عقيل وهو قول أكثر المتكلمين، وكذا المغمى عليه، و الذي عليه أكثر الفقهاء أنهم مكلفون وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله ..... قال المجنون غير المغمى عليه، فقيل له: لأن المجنون رفع عنه القلم؟ قال نعم. وهذا أشبه بأصلنا حيث أوجبنا الصوم على الحائض مع استحالة الفعل منها: بمعنى ثبوت الوجوب بالذمة).
أما القسم الثاني ممن خلافنا معهم خلاف لفظي فانهم لما جعلوا الاحكام الوضعيه (يأتي تفصيلها) واقعة على تصرفات هؤلاء (المغمى عليه والصبي والمجنون) كضمان المتلفات و غرم الديات، قالوا هذا تكليف، ونحن نقول بهذا، غير ان التكليف هنا وضعي وليس تكليفي ومحل البحث انما هو في التكليف لافي خطاب الوضع.
قال ابن اللحام: (قلت: من اختار تكليفهما - يعنى الصبي والمجنون - إن اراد أنه يترتب على أفعالهما ما هومن خطاب الوضع فلا نزاع في ترتبه وإن اراد خطاب التكليف: فإنه لايلزمهما بلا نزاع، وإن اختلف في مسائل هل هي من خطاب الوضع او من خطاب التكليف).
والبقية خلافنا معهم معنوى إذ يتعلق التكليف عندهم بالقدرة حال الأمر بخلاف قولنا. ويأتي ذكره في المتعلقات الاعتقادية.
الفروع الفقهيه لمسألة تكليف المغمى عليه:
* لزوم قضاءه للصلاة إن افاق على قولين فمن الحقه بالنائم اوجبه ومن الحق بالمجنون لم يوجبه وهما قولان في المذهب.
أما السكران فالكلام عليه يتضمن مسألتين:
الاولى: حكم تصرفاته وهذا بحث جرى ذكره في الأوصول وهو متعلق بالفروع فلا نعرض لذكره غير ان خلاصته: عدم صحة عباداته و عقوده وبطلانها، مع وقوعه في الأثم لتصرفه تصرفيا يفضى به الى مثل هذا.
الثاني: وهو متعلق بعلم الأصول وهو تكليف السكران والاظهر في مساواته بمن تقم ذكرهم ممن غيب عقله.
الفرو ع الفقهية المتعلق بتكليف السكران:
وأشهرها طلاق السكران والمختار فيه قياسه على الغضبان فأن كان الغصب او السكر مغيبا كالسكر الطافح والغضب المغلق فلا يقع وان كان دون ذلك وقع.
يتبع بأذن الله في حكم تكليف الصبي المميز والمكره وبقية شروط المكلف.
¥