تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا عُرف الشخص باللقب واشتهر به كالأعمش والأشتر والأصم والأعرج: فقد اطرد استعماله على ألسنة أهل العلم قديماً وحديثاً.

وسهَّل فيه الإمام أحمد، قال أبو داود في مسائله: سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن الرجل يكون له اللقب ولا يُعرف إلا به ولا يكرهه، قال أليس يُقال: سليمان الأعمش، وحميد الطويل؟ كأنه لا يرى به بأساً، قال أبو داود: سألت أحمد عنه مرة أخرى فرخص فيه (5).

وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم سألت عبد الله بن المبارك عن الرجل يقول: حُميد الطويل، وحُميد الأعرج؟ فقال: إذا أراد صفته ولم يُرِد عيبه فلا بأس به (6).

(1) يريد إباحةذلك.

(2) المجموع 8/ 333.

(3) فتح الباري 10/ 469.

(4) الجامع في أحكام القرآن 16/ 329.

(5) نزهة الألباب 1/ 45.

(6) المرجع السابق 1/ 45.

ص298

وسُئل عبد الرحمن بن مهدي: هل فيه عيبة لأهل العلم؟ قال: لا، وربما سمعت شعبة يقول ليحيى بن سعيد: يا أحول، ما تقول في كذا؟ (1).

أما الأدلة على ذلك:

أولاً من القرآن الكريم: في قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات /11] (8).

قال أبو عبد الله خويز منداد: تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب (2).

ثانياً كما استدلوا بالسنة: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب جماعة من صحابته منهم: أبو بكر بالصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف اله (3).

وثبت في الصحيح أن رسو الله صلى الله عليه وسلم (قال للخرباق لما سلم في ركعتين من صلاة الظهر فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ (4).

ثالثاًومما استدلوا به: قولهم: بأنه قل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها من العرب والعجم، تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من دونكير (5).

شروط اللقب المباح:

بناء على ما ذكرناه في حكم اللقب يمكننا وضع بعض الشروط في للقب المباح، وهذه الشروط هي:

(1) المرجع السابق 1/ 45.

(2) الجامع في أحكام القرآن 16/ 329.

(3) سبق تخريج هذه الآثار.

(4) أخرجه البخاري في الجماعة والإمامة، باب هل يأخذ الإمام إذاشك [بقول الناس]؟ (268) 1/ 182، ومسام في المساجد، باب السهو في الصلاة (572) 1/ 403.

(5) الجامع في أحكام القرآن 16/ 330.

ص299

1 - أن يكون اللقب من مستحب الألقاب ومستحسنها، إلا إذا تعين اللقب غير المستحسن.

2 - أن يكون ما لقب به الشخص ما يصدقه فعله، يقول صاحب الفروع: ومن لقب بما يصدقه فعله جاز، وويحرم ما لم يقع على مخرج صحيح (1).

فلقد نُهي عن الأسماء التي فيها تزكية، كما غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم (برة)، فسماها زينب؛ لئلا تُزكي نفسها (2).

3 – أن لا يكون اللقب فيه إفراط تعظيم أو إطراء، مما يدخل في النهي، فإنه حرام (

4 - أن يكون الملقب به راضياً به لايكرهه، كابن عُليَّة – بضم المهملة مصغر – فلقد نهى الإمام أحمد ابن معين أن يقول: حدثنا إسماعيل بن علية وقال له: قل: إسماعيل بن إبراهيم، فإنه بلغني أنه كان يكره أن يُنسب إلى أمه، ولم يخالفه ابن معين، بل قال: قبلناه منك يامُعلم الخير (4).

5 - أن لا يكون فيه وصف لا يستحقه الملقب به، كمناداة الزبال بأستاذ، أوزعيم عصابة للسطو على أموال الناس بباشا، ونحو ذلك.

6 – أن لا يُقصد به ذم أو تنقيص: أما إن كان مستقبحاً ولا يرضى عنه الملقب إلا أنه تعين طريقاً إلى التعريف إلى التعريف حيث يغلب عليه الاستعمال ويشتهر به ولا يتميز عن غيره إلا بذكر هذا اللقب فهذا جائز عند جمهور الفقهاء، لكن بشرط أن لا يكون إلقاء اللقب على وجه التعيير والتنقيص.

تنبيه: قال ابن حجر العسقلاني:

(1) الفروع: ابن مفلح 3/ 412.

(2) أخرجه البخاري في الأدب، باب تحويل الاسم (5839) 5/ 2289، ومسلم في الآداب باب استحباب تغيير الاسم القبيح (2141) 3/ 1687.

(3) فتح المغيث: السخاوي 2/ 343.

(4) فتح المغيث 2/ 343.

ص300

" هذا لايدل على جواز دعاء من به عاهة بذلك، وأحسنُ أحوالِ هذا أن يُقال: لعله كان يرى جوازه إذا رَضِي مَنْ به ذلك.

ومتى لم يكن التعريف بعين اللقب فهو أولى، إذا أمكن بغيره – وهو يكره ذلك – حَرُم، وسلك فيه الشافعي مسلكاً حسناً، فكان يقول: أخبرني إسماعيل الذي يُقال له: ابن علية، فجمع بين التعريف والتبري من التلقيب رحمه الله تعالى " (1).

وكان هناك بعض العلماء الآخرين يكرهون ذلك ويشددون في منعه: قال ابن العربي: وقد ورد لَعَمر الله من ذلك في كتبهم ما لا أرضاه في صالح جزرة لأنه صَحَّف خرزة، فَلُقِّبَ بها، وكذلك قولهم في محمد بن سليمان الحضرمي: مًطيَّن؛ لآنه وقع في طين، ونحو ذلك، مما غلب على المتأخرين سائغاً في الدين، وقد كان موسى بن عُلَيّ بن رباح المصري يقول: لا أجعل أحداً صَغَّر اسمي في حِل، وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين (2).

ونُقل عن الحسن البصري أنه كان يقول: أخاف أن يكون قولنا حميداً الطويل غيبة.

(1) نزهة الألباب في الألقاب 1/ 46.

(2) أحكام القرآن 4/ 171

(3) فتح الباري 10/ 469.

(4) كما عرفنا ذلك قبل قليل.

يتبع إن شاء الله ...

سبب الخلاف بين المجيز لذلك والمانع له:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير