تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الكل فقيل الواجب أعلاها، وإن تركها فقيل يعاقب على أدناه فهذه المسألة وما أشبهها من المسائل التي فرضوها مما لا ثمرة له في الفقه غير داخله في أصوله. انتهى.

وقال الشوكاني في منتهى الأرب في أدب الطلب (174): ومن أسباب التعصب الحائلة بين من أصيب بها وبين المتمسك بالإنصاف: التباس ما هو من الرأي البحت بشيء من العلوم التي هي مواد الاجتهاد. وكثيراً ما يقع ذلك في أصول الفقه فإنه قد اختلط فيها المعروف بالمنكر والصحيح بالفاسد والجيد بالرديء، فربما يتكلم أهل هذا العلم على مسائل من مسائل الرأي ويحررونها ويقررونها، وليست منه في شيء ولا تعلق لها به بوجه. فيأتي الطالب لهذا العلم إلى تلك المسائل فيعتقد أنها منه فير إليها المسائل الفروعية، ويرجع إليها عند تعارض الأدلة. ويعمل بها في كثير من المباحث، زاعماً أنها من أصول الفقه. ذاهلاً عن كونها من علم الرأي. ولو علم بذلك لم يقع فيه ولا ركن إليه. فيكون هذا وأمثاله قد وقعوا في التعصب وفارقوا مسلك الانصاف، ورجعوا إلى علم الرأي وهم لا يشعرون بشيء من ذلك ولا يفطنون به، بل يعتقدون أنهم متشبثون بالحق متمسكون بالدليل واقفون على الانصاف خارجون عن التعصب. وقلَّ من يسلم من هذه الدقيقة وينجو من غبار هذه الأعاصير. بل هم أقل من القليل. وما أخطر ذلك وأعظم ضرره وأشد تأثيره وأكثر وقوعه وأسرع نفاقه على أهل الانصاف وأرباب الاجتهاد.

فإن قلتَ: إذا كان هذا السبب كما زعمت من الغموض والدقة ووقوع كثير من المنصفين فيه وهم لا يشعرون فما أحقه بالبيان وأولاه بالإيضاح وأجدره بالكشف حتى يتخلص عنه الواقعون فيه وينجوا منه المتهافتون إليه؟

قلتُ: اعلم أن ما كان من أصول الفقه راجعاً إلى لغة العرب رجوعاً ظاهراً مكشوفاً كبناء العام على الخاص. وحمل المطلق على المقيد ورد المجمل إلى المبيَّن. وما يقتضيه الأمر والنهي ونحو هذه الأمور. فالواجب على المجتهد أن يبحث عن مواقع الألفاظ العربية. وموارد كلام أهلها وما كانوا عليه في مثل ذلك. فما وافقه فهو الأحق بالقبول والأولى بالرجوع إليه. فإذا اختلف أهل الأصول في شيء من هذه المباحث كان الحق بيد من هو أسعد بلغة العرب. هذا على فرض عدم وجود دليل شرعي يدل على ذلك. فإن وجد فهو المقدم على كل شيء وإذا أردت الزيادة في البيان والكثير من الإيضاح بضرب من التمثيل وطرف من التصوير: فاعلم، أنه قد وقع الخلاف في أنه هل يُبنى العام على الخاص مطلقاً أو مشروطاً بشرط أن يكون الخاص متأخراً. ووقع الخلاف في أنه هل يُحمل المطلق على المقيّد مع اختلاف السبب أم لا. ووقع الخلاف في معنى الأمر الحقيقي هل هو الوجوب أو غيره. ووقع الخلاف في معنى النهي الحقيقي هل هو التحريم أو غيره. فإذا أردت الوقوف على الحق في بحث من هذه الأبحاث، فانظر في اللغة العربية واعمل على ما هو موافق لها مطابق لما كان عليه أهلها. واجتنب ما خالفها، فإن وجدت ما يدل على ذلك من أدلة الشرع كما ستقف عليه في الأدلة الشرعية من كون الأمر يفيد الوجوب والنهي يفيد التحريم فالمسألة أصولية لكونها قاعدة كلية شرعية لكون دليلها شرعياً كما أن ما يستفاد من اللغة من القواعد الكلية أصولية لغوية. فهذه المباحث وما يشابهها من مسائل النسخ ومسائل المفهوم والمنطوق الراجعة إلى لغة العرب المستفادة منها على وجه يكون قاعدة كلية هي مسائل الأصول. والمرجع لها الذي يعرف به راجحها من مرجوحها هو العلم الذي هي مستفادة منه مأخوذة من موارده ومصادره. وأما مباحث القياس فغالبها من بحث الرأي الذي لا يرجع إلى شيء مما تقوم به الحجة، وبيان ذلك أنهم جعلوا للعلة مسالك عشرة لا تقوم الحجة بشيء منها إلا ما كان راجعاً إلى الشرع. كمسلك النص على العلة. أو ما كان معلوماً من لغة العرب كالإلحاق بمسك إلغاء الفارق. وكذلك قياس الأولى المسمى عند البعض بفحوى الخطاب. وأما المباحث التي يذكرها أهل الأصول في مقاصده كما فعلوه في مقصد الكتاب ومقصد السنة والإجماع. فما كان من تلك المباحث الكلية مستفاداً من أدلة الشرع فهو أصولي شرعي , وما كان مستفاداً من مباحث اللغة فهو أصولي لغوي. وما كان مستفاداً من غير هذين فهو من علم الرأي الذين كررنا عليك التحذير منه. ومن المقاصد المذكورة في الكتب الأصولية التي هي من محض الرأي الاستحسان والاستصحاب والتلازم.

وأما المباحث المتعلقة بالاجتهاد والتقليد وشرع من قبلنا والكلام على أقوال الصحابة، فهي شرعية فما انتهض عليه دليل الشرع منها فهو حق. وما خالفه فباطل.

وأما المباحث المتعلقة بالترجيح، فإن كان المرجح مستفاداً من الشرع فهو شرعي. وإن كان مستفاداً من علم من العلوم المدونة فالاعتبار بذلك العلم فإن كان له مدخل في الترجيح كعلم اللغة فإنه مقبول وإن كان لا مدخل له إلا لمجرد الدعوى كعلم الرأي فإنه مردود. انتهى.

نقلته من كتاب "أصول الفقه على منهج أهل الحديث" تصنيف /زكريا بن غلام قادر الباكستاني.

89ـ سئل فضيلة الشيخ [العثيمين كما في كتاب العلم]ـ حفظه الله تعالى ـ: إذا أراد طالب العلم الفقه فهل له الاستغناء عن أصول الفقه؟

فأجاب فضيلته بقوله: إذا أراد طالب العلم أن يكون عالماً في الفقه فلابد أن يجمع بين الفقه وأصول الفقه ليكون متبحراً متخصصاً فيه، وإلا فيمكن أن تعرف الفقه بدون علم الأصول، ولكن لا يمكن أن تعرف أصول الفقه، وتكون فقيهاً بدون علم الفقه، أي أنه يمكن أن يستغني الفقيه عن أصول الفقه، ولا يمكن أن يستغني الأصولي عن الفقه إذا كان يريد الفقه، ولهذا اختلف علماء الأصول هل الأولى لطالب العلم أن يبدأ بأصول الفقه حتى يبني الفقه عليها، أو بالفقه لدعاء الحاجة إليه، حيث إن الإنسان يحتاج إليه في عمله، في عبادته ومعاملاته قبل أن يتقن أصول الفقه، والثاني هو الأولى وهو المتبع غالباً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير