لا شك بان العلماء هم محط الانظار لعلو مكانتهم , ولذلك قد يتم رمي بعضهم باتهامات باطلة وذلك لغرضين: اما من باب الحسد - والعياذ بالله سبحانه - واما من باب التشهير والانتقاص.
ولمنزلة الباجي ولنشاطه الفقهي والعملي , فقد تعرض لمثل ذلك ..
اقول:
لم يتأثر الباجي بابن كلاب (240هـ) , وابن كلاب هو أول من ابتدع القول بالكلام النفسي لله عز وجل في بدعته هذه، حيث إنه لم يثبت لهما لقاء، حيث توفي ابن كلاب قبل مولده - ولد أبو الوليد الباجي سنة 403 هـ -. وليس من بين شيوخ الباجي من كان ياخذ بقول ابن كلاب.
قال ابن أبي جمرة: ونقل الباجي عن شيخه السمناني: (أن القول بأن القول أول الواجبات النظر، والاستدلال مسألة من الاعتزال، على من اعتقدها).
والشاهد هنا قوله: على من اعتقدها , فانه لا يعتقد بها , والا لاثبتها كحقيقة لا كمقولة او نسب الى نفسه الموافقع عليها , بل ذكرها لبيان ما يقوله اهل الفرق في بعض المسائل
----
نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن أول من أدخل الأشعرية إلى الحجاز هو الإمام أبو ذر الهروي المتوفى سنة 435هـ، وأن أول من أدخل الأشعرية إلى بلاد المغرب والأندلس هم تلاميذ أبي ذر وعلى رأسهم القاضيان أبو الوليد الباجي وأبو بكر بن العربي. وهما أخذا الأشعرية عن أبي ذر الهروي أولاً، ثم رحلا إلى بغداد بمشورة من أبي ذر، فأخذا الأشعرية عن شيوخه، فنشراها في المغرب.
قال الامام ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل: (2
101):
«عن الحسين بن أبي أمامة المالكي قال: سمعت أبي يقول: "لعن الله أبا ذر الهروي، فإنّه أول من حمل الكلام إلى الحرم، وأول من بثه في المغاربة". قلت: أبو ذر فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة، وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة، وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به، وقد كان قدم إلى بغداد من هراة، فأخذ طريقة ابن الباقلاني وحملها إلى الحرم، فتكلم فيه وفي طريقته من تكلم، كأبي نصر السجزي، وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني، وأمثالهما من أكابر أهل العلم والدين بما ليس هذا موضعه. وهو ممن يرجح طريقة الصبغي والثقفي، على طريقة ابن خزيمة وأمثاله من أهل الحديث. وأهل المغرب كانوا يحجون، فيجتمعون به، ويأخذون عنه الحديث وهذه الطريقة ويدلهم على أصلها. فيرحل منهم من يرحل إلى المشرق، كما رحل أبو الوليد الباجي، فأخذ طريق أبي جعفر السمناني الحنفي صاحب القاضي أبي بكر. ورحل بعده القاضي أبو بكر بن العربي، فاخذ طريقة أبي المعالي في الإرشاد. ثم إنه ما من هؤلاء إلا له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من السنة والدين، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وعدل وإنصاف». اهـ
(عن كتاب أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية - د. أحمد بن عبدالعزيز الحليبي - كتاب الأمة -العدد: 55 - رمضان 1417 هـ - السنة السادسة عشرة)
فهذه شهاة لابن تيمية بفضل الباجي , ولو كان الباجي يقول بقول مبتدع لما مدحه ابن تيمية المعروف بتهجمه على اهل البدع والاهواء وعلى اهل الفلسفة والكلام والمنطق لانها اشياء جاءت من اليونان وليست شرعية ولا يستند اليها في علوم الاسلام بانواعها.
ثم يقول ابن تيمية: فلما كان من أصل ابن كلاب ومن وافقه، كالحارث المحاسبي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي يعلى بن الفراء، وأبي جعفر السماني، وأبي الوليد الباجي وغيرهم من الأعيان: ----
أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته، ويعبرون عن هذا بأنه لا تحله الحوادث، ووافقوا في ذلك للجهم ابن صفوان، وأتباعه من الجهمية -الإرجاء والتعطيل - والمعتزلة - نفي بعض الصفات وتحريف نصوصها -
وهي طريقة أبي المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم، لكنهم افترقوا في القرآن، وفي بعض المسائل على قولين ـ بعد اشتراكهم في الفرق الذي قرره ابن كلاب ـ كما قد بسط كلام هؤلاء في مواضع أخر.
¥