و قال {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} الأنعام116
و قال {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام148و غيرها من الآيات.
و إن كان المراد بالظن هنا الغالب أو الراجح فهذا القول صحيح و لا يقال بأنه لا يجوز اتباع هذا الظن بعد استفراغ و أنه يدخل في اتباع الظن المحرم فهذا القول يرده كتاب الله تعالى كما قال تعالى {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} البقرة230 فهذا الظن عند الزوجين هو و لا شك غالب الظن لا الجزم به لأنه لم يحدث عندهما الجزم لعدم وقوع هذا حقيقة ثم لعدم علم كل واحد منهما بنية الآخر و إنما يحكم كل واحد منهما على الآخر بما ظهر له قرائن خاصة و لا يمنع أن يصل الأمر إلى الجزم و لكن يكفي في هذا الظن الغالب بإقامة حدود الله.
و قال تعالى {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} يوسف42
و هذا كذلك ظن راجح و مع لذلك اتبعه يوسف عليه السلام و لم يكن هذا اتباع للظن المحرم قال بن كثير رحمه الله (ولما ظن يوسف عليه السلام أن الساقي ناج, قال له يوسف خفية عن الاَخر, والله أعلم ـ لئلا يشعره أنه المصلوب ـ قال له {اذكرني عند ربك} يقول: اذكر قصتي عند ربك, وهو الملك, فنسي ذلك الموصى أن يذكر مولاه الملك بذلك, ... ).
فالمحرم هو اتباع الظن المتساوي الأطراف و إن كان الظن في الغالب يكون عند ترجح أحد الأطراف و أما عند التساوي فيسمى الشك و كذلك اتباع الظن الراجح من غير اجتهاد أو استفراغ وسع محرم.
و قال تعالى {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} النور12 فالمؤمنون يتبعون ما غلب على ظنهم من غير جزم و سبب نزول هذه الآية حادثة الإفك و إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم لم يجزم ببراءة عائشة رضي الله عنها فكيف بغيرهم من المؤمنين فيجب على المؤمنين حسن الظن بإخوانهم و اتباع هذا الظن.
و قال تعالى {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} ص24
و هذا ظن من داود عليه السلام اتبعه و عمل به فاستغفر ربه و تاب إلى الله تعالى.
و قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات12
فبعض الظن ليس بإثم و ما كان ليس بإثم لا يقال بوجوب اجتنابه و إنما يجب اجتناب ما كان إثما من الظن فلزم جواز العمل ببعض الظن و هو ما يقصد به الظن الغالب أو الراجح و جواز العمل ببعض الظن ينقض القاعدة الكلية بحرمة العمل بالظن و إن كان راجحا.
¥