أخرج البخاري و غيره عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) و معلوم ان الحاكم إذا أجتهد فأخطأ لم يصب الحق مع اجتهاده فإما أن يقال بأنه كان جازما بحكمه فيرد هذا القول بأنه لم يصب الحق في نفس الأمر فلم يكن هذا جزما و إن كان يظن أنه جازم لأن العلم الجازم هو ما وافق الحق في نفس الأمر او يقال بأنه كان يغلب على الظن صحة هذا الحكم فحكم به فأخطأ و على كلا الأمرين يجوز العمل بالظن الراجح و اتباعه لأن ما كان في نفس الأمر ليس على الحقيقة و إن كان يدعي الجزم فيه إنما هو ظن راجح لا علم جازم و ما كان يظن بأنه ظن غالب و اتبعه ثم لم يأثم بذلك دل على جواز اتباع هذا الظن.
هذه بعض الأدلة على ما ذكرناه و غيرها كثير و لولا خشية الإطالة لذكرتها بالتفصيل.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[29 - 06 - 05, 02:52 م]ـ
و أما قول الأخ الفاضل بن تميم (وقد يحكي البعض ما أمرنا به في قبول شهادة الشهود مع أننا لا ندري صدق وكذب الشاهد ونحكم بناء على ظننا ..
وهذا خطأ ..
لأن الحكم بناء على الشهود أمر قطعي ثبت بالنص الصحيح باتفاق الجميع ..
ولكن كون هؤلاء كذبوا أو صدقوا فلا يعنينا هذا ..
لأن الله تعالى أمرنا أن نحكم بناء على ظهور البينة وتحققها دون التفات إلى صدق المخبر والشاهد وكذبه ..
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حكم ذكّر الشهود بالله أو قال ..
من قضيت له فإنما أقضي له بقطعة من نار أو كما قال بأبي هو وأمي ..
فمن كان ألحن بحجته من صاحبه وقدم الشهود وهم يكذبون فيما شهدوا فلم يكلفنا الله الحكم إلا بتحري البواطن ..
فالشهادة أمر ..
وصدق الشهود أمر آخر ..
لذلك وجدنا الذي ينهى ويخوف الشاهد إن أراد الكذب بتحذير الشارع له بأنه إن كذب فتلك شهادة زور وهي كبيرة من الكبائر ..
وكذلك الصلاة إلى القبلة ونحوها ففرق بين أن نؤمر بأن نصلي إليها مع التحري وبلوغ الجهد في ذلك التحري وبين إصابة عين الكعبة .. ).
أقول يجب التفريق بين التأصيل و التنزيل و بين تحقيق المناط و تنقيحه قال شيخ الإسلام رحمه الله (والاجتهاد في (تحقيق المناط) مما اتفق المسلمون عليه، ولابد منه كحكم ذوي عدل بالمثل في جزاء الصيد، وكالاستدلال على الكعبة عند الاشتباه ونحو ذلك، فلا يقطع به الإنسان، بل يجوز أن تكون القبلة في غير جهة اجتهاده، كما يجوز إذا حكم أن يكون قد قضى لأحدهما بشىء من حق الآخر، وأدلة الأحكام لابد فيها من هذا؛ فإن دلالة العموم في الظواهر قد تكون محتملة للنقيض، وكذلك خبر الواحد والقياس، وإن كان قوم نازعوا في القياس، فالفقهاء منهم لم ينازعوا في خبر الواحد كالظاهرية، ... ).
و قال رحمه الله (وهذا الذي يسميه بعض الناس: تَنقِيح المناط، وهو أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم حكم في معين، وقد علم أن الحكم لا يختص به، فيريد أن ينقح مناط الحكم، ليعلم النوع الذي حكم فيه، كما أنه لما أمر الأعرابي الذي واقع امرأته في رمضان بالكفارة، وقد علم أن الحكم لا يختص به، وعلم أن كونه أعرابيًا أو عربيًا أو الموطوءة زوجته لا أثر له، فلو وطئ المسلم العجمي سَرِيَّته كان الحكم كذلك.
ولكن هل المؤثر في الكفارة كونه مجامعًا في رمضان أو كونه مفطرًا؟ فالأول: مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه، والثاني: مذهب مالك وأبي حنيفة، وهو رواية منصوصة عن أحمد في الحجامة فغيرها أولي، ثم مالك يجعل المؤثر جنس المفطر، وأبو حنيفة يجعلها المفطر كتنوع جنسه، فلا يوجبه في ابتلاع الحصاة والنواة.
وتنازعوا: هل يشترط أن يكون أفسد صومًا صحيحًا؟ وأحمد لا يشترط ذلك، بل كل إمساك وجب في شهر رمضان أوجب فيه الكفارة، كما يوجب الأربعة مثل ذلك في الإحرام الفاسد، فالصيام الفاسد عنده كالإحرام الفاسد، كلاهما يجب إتمامه والمضي فيه، والشافعي وغيره لا يوجبونها إلا في صوم صحيح، والنزاع فيمن أكل ثم جامع أو لم ينو الصوم ثم جامع، ومن جامع وكفَّر ثم جامع.
¥