تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمتى ما دخل الشك فيه فقد بطل ذلك الاعتقاد ..

لأننا نطلق كلمة اعتقاد ولا نعني فيها إلا اليقين بما نعتقده ..

سواء سماها البعض ظن راجح أو غالب فلا محارجة في ذلك ..

ولأنه لا مرتبة متوسطة بين الشك واليقين فإما هذه وإما تلك ..

هذا في الاعتقاد التي تصح به الديانة ..

ولاحظ أمراً دقيقاً ..

أن من اعتقد وكان اعتقاده بغير يقين فلا يكون معتقداً ..

فاليقين يوجب التصديق بالشيء إن كان ذلك اليقين مصدقاً له ..

أو يوجب التكذيب بالشيء إن كان ذلك اليقين مكذباً له ..

فمن دخل الشك في تصديق ما أتى الله به تعالى من أمور الاعتقاد وغيرها فليس بمصدق ..

لأن التصديق لا يكون مع وجود شك ولو برهة من زمان ..

فالآية التي ذكرتها تتكلم عن العمل ولا تتكلم عن الاعتقاد ..

وإلا ما الفرق بين اعتقاد أهل الإيمان واعتقاد أهل الكفر .. ؟!

فإن لم يكن مطلوباً منا اليقين بما نعتقد لصححنا عقائد باطلة بناء على أنها بذلت وسعها فعلمت أن عيسى عليه السلام هو الرب ..

واليقين لا يبطله يقين ضرورة ..

فالنص الذي أوردته هو طلب الله تعالى بعد أن نوقن أنه الله المستحق للعبادة والربوبية منا أن نتقيه بما استطعنا ..

وليس قبل أن نوقن أنه الله ..

لأن من لم يوقن ذلك وشك فيه أو تردد فليس مخاطباً بالعمل الوارد في نفس النص لأن التردد شك في تصديق هذه الحقيقة ومن شك في هذه الحقيقة لم يكن معتقداً فالواجب عليه أن يستعيذ بالله إن كان من أهل الإيمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن استمر في شكه هذا لم يكن من أهل الإيمان ..

أما من استفرغ وسعه لإصابة الحق في العمل فقد أدى ما عليه وهذا ذكرته آنفاً في التعقيب ولم أخالفه ..

لكن لا يعني من فعل ذلك أنه أصاب الحق عند الله ..

فالعمل بشيء ينتج عنه قضيتين ..

الأولى: إصابة الحق عند الله تعالى وفيه الأجر ..

وهذا لا يكون إلا بعمل بيقين لأنه لا يتعارض ولا يتناقض ..

الثانية: العمل بما أمرنا به في تحري الحق وإن أخطأنا بلا نية للخطأ ..

فهذا فيه الأجر أيضاً ولا يعني أنه الحق عند الله ..

ولا يحل لنا ههنا أن ننسبه إلى الله تعالى إن كان بناء عن ظن ورأي ..

لأن هذه المسالك لم يطلبها الله تعالى منا أصلاً ..

وإنما طلب منا العمل بما أمرنا به فقط مما يوصلنا إلى القطع في نسبة شيء من الأحكام والديانة إلى الله تعالى ..

وكل طريق لا يوصل إلى القطع فلم نؤمر به ..

ومن قال بغير هذا فقد أخطأ يقيناً ..

ولوجب على القائل هذا أن ينسب كل الظنون التي قال بها كل مفتي منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا إلى الله تعالى وشرعه ..

وهذا أيضاً لا يقوله أهل الرأي أصلاً ..

وإنما يعملون بالظن تورعاً واحتياطاً مع عدم نسبتهم لشيء من ذلك إلى الله تعالى لعدم ثبوته من جهة القطع واليقين ..

فالصحابة رضي الله عنهم عملوا بما اجهدوا فيه الفكر والرأي حتى وصلوا لحكم ما وكان بالظن ..

ولم ينسبوه إلى الشرع البتة ..

فلما ورد عن غيرهم اليقين تركوا ما قالوه ..

وكذلك من بعدهم من التابعين ..

فلا محارجة في العمل بالاجتهاد وهذا ما قدمته آنفاً في التعقيب ..

وإنما في نسبة هذا العمل بالظن والرأي إلى الله تعالى والشرع والإلزام به ..

وهذا لا يدركه الكثير من طلبة العلم إلا من رحم الله ..

وقلت حفظك الله ..

((و في الحديث الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «دَعُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». فمن بلغه أمر و أتى منه ما استطاع اعتقادا و عملا فقد برئت ذمته و لم يطالب بما لا يقدر عليه و من فرط في طلب الحق و لم يستفرغ وسعه فهو آثم و إن أصاب الحق في نفس الأمر و إثمه لا لأنه أصاب الحق و لكن لتفريطه فيما أمر به من طلب الحق.)) ..

أقول حفظك الله ..

هذا النص وما فيه هو قولنا أيضاً ولا نخالفك في هذا إلا إن كان مرادك ما تقدم فقط ..

وقلت نفع الله بك ونقلت عني ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير