فلو كان عمله بالظن هنا قد أقره الله تعالى وصححه ونسبه إليه لكان استدلالك بها صحيح على ما تدعيه ..
لكن الله تعالى خطأ داود عليه السلام ولم يصحح قوله ولم ينسبه إليه ..
وميز داود عليه السلام هذا وتاب منه ..
وإن قلت هل له أجر قلنا نعم لنيته في إصابة الحق لكنه أخطأ في سماع البينة وحجج الخصوم فيرد هذا الحكم ولا ينسب إلى الله تعالى لأنه لم يأمره بأن يحكم بين الناس بالظن ..
فتأمل بارك الله فيك ..
وقلت حفظك الله ..
((و قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات12 فبعض الظن ليس بإثم و ما كان ليس بإثم لا يقال بوجوب اجتنابه و إنما يجب اجتناب ما كان إثما من الظن فلزم جواز العمل ببعض الظن و هو ما يقصد به الظن الغالب أو الراجح و جواز العمل ببعض الظن ينقض القاعدة الكلية بحرمة العمل بالظن و إن كان راجحا.)) ..
هذا استدلال ابن العربي المالكي وغيره من أهل العلم وهو خطأ ظاهر ..
فالظن في الآية ..
ظن صحيح وظن باطل ..
وهو ما قالوه أن بعض الظن ليس بإثم وبعضه إثم ..
فيجوز أن نعمل بذلك الذي ليس بإثم ..
فالظن هنا هو ما انقدح في نفس وذهن الناظر أولاً بأمارات ترجحه ..
لكن كيف نعرف أن هذا الظن إثم أو ليس بإثم .. ؟!
لأن المستدل بهذه الآية يقر بأن هناك نوع فيه إثم ونوع لا إثم فيه ..
ولا يتضح هذا إلا بالبرهان ليرفع لنا هذا الإشكال والإجمال ..
وبالنصوص الأخرى وهذا النص عرفنا أن الظن يكون إثماً إن لم يكن صادقاً أو يصدق على المعنى الذي انقدح في نفوسنا أولاً بتلك الأمارات ..
فعلمنا أن الظن الذي هو إثم ما كان يكذبه البرهان ..
وعلمنا أن الظن الذي ليس بأثم ما كان يصدقه البرهان ..
فما قلته ..
فإن بعض الظن ليس بإثم وما كان ليس بإثم فلا يقال بوجوب اجتنابه وإنما يجب اجتناب ما كان إثما من الظن ..
فأخبرني أي الظن ههنا الإثم من غيره .. ؟!
إن كان بعض الظن إثم فلا يجوز استحضاره ولا التفكير به ..
فكيف نعرف البعض الآخر من الظن إن كان إثماً أو لا .. ؟!
فالآية تقول ..
يا أهل الإسلام اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض هذا الظن إثم ..
فما هو الكثير هذا وما هو البعض هذا .. ؟!
فليس لكم إلا أن تقولوا أن الذي ليس بإثم هو الذي لم ننهى عنه ولم يكن معصية ..
وأن الظن الكثير الذي فيه الإثم هو ما نهينا عنه ..
فإن قلتم قد نهانا الله تعالى عن اجتناب الكثير فبقي القليل الذي لا إثم له ..
فكذلك نقول لكم هاتوا برهان هذه الظنون التي قلتم أن الله تعالى لم ينهكم عنها وهي جواز العمل بالظن ثم نسبة هذا الظن إلى شرع الله وإلزام الناس به .. !
والصحيح في الآية أن الظن ههنا إذا أيده برهان يصدقه كان ظناً أولاً ثم صار قطعاً ..
كما قلت بأن تقوم بينة على أن فلان شارب للخمر ..
فالناس قبل قيام البينة ظنوا به أنه فاسق شارب للخمر ..
وقد أثموا لظنهم هذا لعدم قيام برهان عليه أولاً ..
فصار الظن هذا قطع بناء على تصديق البرهان له ..
وبأبسط من ذلك ..
الظن الذي قلنا أنه إثم سنقول بناء على أنه معارض للنص ..
فمن ظن بإنسان أنه فاجر فاسق ولم يكن له في ذلك بينة من برهان قاطع على ذلك فهنا يحرم هذا الظن لوجوب الظن بأهل الإيمان الخير إلا إذا قامت بينة من شهود أو إقرار ..
فنحن لا نحكم على صدق وصحة ظن إلا إذا أيده برهان ..
وهذا محل اتفاق بيننا ..
يبقى البعض الآخر من ذلك الظن ..
الذي لم يشهد له برهان لا بصدقه ولا بكذبه ..
وهذا الذي نازعناكم فيه وقلنا قولكم فيه دعوى خالية من برهان يصدقها ..
أما استدلالك بحديث البخاري ..
¥