((وتارة يختلفون في كون الدلالة قطعية لاختلافهم في أن ذلك الحديث: هل هو نص أو ظاهر؟ وإذا كان ظاهرا فهل فيه ما ينفي الاحتمال المرجوح أو لا؟ وهذا أيضا باب واسع فقد يقطع قوم من العلماء بدلالة أحاديث لا يقطع بها غيرهم إما لعلمهم بأن الحديث لا يحتمل إلا ذلك المعنى أو لعلمهم بأن المعنى الآخر يمنع حمل الحديث عليه أو لغير ذلك من الأدلة الموجبة للقطع.)) ..
وقد بينا كيف يقطع أحد بشيء ويخالفه غيره في ذلك القطع ..
فالقطع بدلالة نص لا يعني صحة هذا القطع إلا إن كان كما يلي ..
أن يكون الأصل المتكلم فيه قطعي الثبوت ..
وأن تكون هذه الدلالة التي سماها ابن تيميه ظاهرة على ظاهرها ومفهومها في اللغة التي خوطبنا بها حتى يقوم برهان من نص أو إجماع أو حس على أن الظاهر هذا ليس هو المراد ..
فنأخذ بذلك الصارف عن تلك الدلالة التي ظهرت لنا أولاً ..
ونعلم أن القطع هو كذا وليس ما فهمناه من ظاهر النص أولاً ..
فإذا اختلف العلماء في ذلك وفي كون هذه الدلالة قطعية أو لا فنرجع إلى الله تعالى لنعلم كيف يزول ذلك الخلاف ..
لأنه أمرنا بالرد إلى كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم عند التنازع ..
فلما رجعنا إليه رأينا من فسر أو قال بتلك الدلالة لم يقل بقطع ..
إما لأنه استعمل الظن في تفسير هذه الدلالة مما لم نؤمر به وباتباعه وإلزام الناس به ..
وإما أنه استعمل ما يظن أنه قطع وقام برهان على إبطال هذا الظن وكشف حقيقة ما قال أنه قطع بأن بين لنا أن النص لا يريد تلك العبارة أو الجملة أو المفهوم ..
وليس في كلام ابن تيميه مخالفة لما ذكرته في أصل مسألتنا من أنه لا يجوز العمل بالظن ثم نسبة هذا الحكم المبني على الظن إلى شرع الله ودينه ثم إلزام الناس به ..
ولو قال قائل بأن هذا محل اتفاق لما أبعد ..
فالعبرة ليست بنقل اتفاق على مسائل خارجة عن محل النزاع ..
بل العبرة بأن تنقل لي اتفاق أهل العلم على إبطال ما نازعتك به فقط ..
فإن ثبت هذا بيقين لا شك فيه صرنا إلى قولك وإلا فهو دعوى كغيرها ..
والذي يقول يجوز العمل بالظن هذا وأن الله تعالى أمرنا به وقال أنسبوا ذلك الظن إلى شرع الله وألزموا الناس به يقول بدعوى ..
وليس له دليل على هذه الدعوى البتة ..
ولو كان هذا حق لكان واضحاً لكل أحد ..
فنصوص الله تعالى تمنع القول على الله بالظن والرأي ..
وفتاوى الصحابة والتابعين التي كانت عن ظن ورأي لم يلزموا بها أحدا من الناس ..
ولا قالوا هذا شرع الله ودينه ..
فمن قال بغير هذا فعليه بإسناد خلاف ذلك إلى الشرع والصحابة رضي الله عنهم ..
وإلا بقي قوله مجرد دعوى لا برهان يشهد لها وبها ..
ونقل الفاضل من كلام ابن تيميه أيضاً ..
((وأما القسم الثاني وهو الظاهر فهذا يجب العمل به في الأحكام الشرعية باتفاق العلماء المعتبرين فإن كان قد تضمن حكما علميا مثل الوعيد ونحوه فقد اختلفوا فيه: فذهب طوائف من الفقهاء إلى أن خبر الواحد العدل إذا تضمن وعيدا على فعل فإنه يجب العمل به في تحريم ذلك الفعل ولا يعمل به في الوعيد إلا أن يكون قطعيا وكذلك لو كان المتن قطعيا لكن الدلالة ظاهرة وعلى هذا حملوا قول عائشة رضي الله عنها: أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب قالوا: فعائشة ذكرت الوعيد لأنها كانت عالمة به ونحن نعمل بخبرها في التحريم وإن كنا لا نقول بهذا الوعيد لأن الحديث إنما ثبت عندنا بخبر واحد. .. ).)) ..
وهذا كما قلت ولا فرق ..
فقول ابن تيميه أن الظاهر هذا محل اتفاق هو ما أنكره علينا الأخ الفاضل ..
ثم استشهد به لقوله .. !
وقلت سابقاً ..
أن أهل الظاهر وقفوا على هذا الظاهر أو وقفوا على ما نقل عن هذا الظاهر ..
والناقل هذا كان بما نقطع أنه في لغتنا أو نص ثابت صحيح أو إجماع متيقن ..
أما غيرهم من أهل الرأي فقد صرفوا هذا الظاهر أو تأولوه بهذه الطرق أو بغيرها مما هي ظن ورأي ..
وقال الفاضل ..
¥