تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت لك أن الشك والتهمة لا يصح أن نطلقها على أهل الإيمان من الرسل والأنبياء الذين وردت هذه اللفظة في كلامهم ..

إلا إن كانت هذه اللفظة واردة معنى الشك والوهم ..

فنجعلها على هذا المعنى ..

ومثال ذلك ..

ما ذكره البخاري في باب التفسير عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وأهلها أنها قالت عندما سألها عروة عن قوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا} أو كذبوا؟ قالت: بل كذبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن، فقالت: يا عرية لقد استيقنوا بذلك، قلت: فلعلها أو كذبوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، وأما هذه الآية قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم وظنوا أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر الله.

قال أبو عبد الله استيأسوا افتعلوا من يئست منه من يوسف {ولا تيأسوا من روح الله} معناه الرجاء ..

قم نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما وذكر خبر عائشة في موضع آخر وقال ..

حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن بن جريج قال سمعت بن أبي مليكة يقول قال بن عباس رضي الله عنهما {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا} خفيفة ذهب بها هناك وتلا {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك فقال قالت عائشة معاذ الله والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم فكانت تقرؤها {وظنوا أنهم قد كذبوا} مثقلة ..

وقال البخاري أيضاً ..

حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن بن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى حتى إذا استيأس الرسل قال قلت أكذبوا أم كذبوا قالت عائشة كذبوا قلت فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك فقلت لها وظنوا أنهم قد كذبوا قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها قلت فما هذه الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك، وقال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة فقلت لعلها كذبوا مخففة قالت معاذ الله ..

أما في كلامنا فلابد أن نقف على غرض القائل هذا ..

أي ظن يعني .. ؟!

فالظن استعمله العرب بمعنى العلم واليقين فيما كان من أمر أدرك من جهة الخبر أو المشاهدة والمعاينة ..

فلا تقول العرب أصلاً: أظنني حياً، وأظنني جالساً ..

ولكن تقول أعلم أني حي جالس ..

فالرسل هنا في هذه الآية الذين كذبتهم أممهم فقد شاهدت وعاينت كفر أممها بها لتكذيب هذه الأمم لما جاؤوا به من الحق ..

وقد يقال أن القوم هم الذين كذبوا ..

لكن لنا علاقة في الظن هذا لا تفسير النص ..

فيجوز أن يقال علمت الرسل تكذيبهم وظنت تكذيبهم بمعنى اليقين ..

لا بمعنى الشك والتوهم والوهم والتردد ..

وغيرها من النصوص مثلها ..

فلا يطلق أحد في النصوص الشرعية والاستدلال لها لفظ الظن بمعنى العلم واليقين ..

وهذا مما لا تجده في استعمالات العلماء والفقهاء ..

فعند الكلام على اختيارات واجتهادات الفقهاء ليس لنا أن نطلق لفظ الظن ونعني به اليقين ..

فقولك: (فالظن إذا كان بمعنى الجزم يجوز العمل به بالإجماع) ..

ليس بصحيح وحكاية للإجماع على ما لم يجمع عليه في اجتهادات العلماء ..

فإن سموه ظناً راجحاً أو غلبة ظن في اجتهاداتهم ..

فلا يعني أحداً منهم أن يريد اليقين والجزم من لفظة الظن ..

بل المتردد والمحتمل لأوجه فأتى المجتهد فرجح معنى من تلك الأوجه ..

ونحن هنا نقول ..

اختيار وجه من تلك الأوجه ما دامت دلالته محتملة أو متردد لا يصح إلا ببرهان نقطع بأن المراد من ذلك النص هذا الوجه دون غيره ..

وليس هذا محل كلامنا هنا لكن نبهت عليه فقط ..

فنحن نريد دليلاً واحداً صحيحاً على دعوى جواز العمل بالظن والرأي ثم جواز نسبة ذلك الرأي والظن إلى الله تعالى وشرعه ثم جواز إلزام الناس به ..

هذه قضيتنا أخي الفاضل فاستدل لها لا لغيرها ..

فلا علاقة لنا باجتهاد المجتهد بالظن والرأي وقد قلت سابقاً أن هذا شأنه ولا يحل له أن يلزم الناس بهذا الظن والرأي المجرد من دليل وبرهان ثم يلزم الناس به ..

ونفيت أن يكون أحد الصحابة والتابعين قد عمل بتلك الطريقة التي ينادي بها أهل الرأي ..

بل اجتهدوا وأصابوا الحق أو خالفوه وكلهم له الأجر ..

ولم يلزموا أحد بقولهم ولا نسبوا ذلك الظن والرأي إلى الله تعالى ..

فما كان عندك يبطل هذا فأبن عارضته لنعلمه ونستفيد منك ومن علمك ..

وبالله تعالى التوفيق ..

يأتي الكلام على التقيب الرابع ..

وأتمنى كذلك أن يكون في محل النزاع لا في غيره ..

والله المستعان ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير