الوعيد كما يثبتون بها العمل ويصرحون بلحوق الوعيد الذي فيها للفاعل في الجملة وهذا منتشر عنهم في أحاديثهم وفتاويهم وذلك لأن الوعيد من جملة الأحكام الشرعية التي ثبتت بالأدلة الظاهرة تارة وبالأدلة القطعية أخرى، فإنه ليس المطلوب اليقين التام بالوعيد بل المطلوب الاعتقاد الذي يدخل في اليقين والظن الغالب كما أن هذا هو المطلوب في الأحكام العملية. ... ).
فالتفريق بين العمليات و العلميات في الإعتقاد هو قول مبتدع مخالف لم ثبت من اعتقاد السلف.
و الدليل أن الأخ يفرق بينهم قوله (فالآية التي ذكرتها تتكلم عن العمل ولا تتكلم عن الاعتقاد .. )
و الآية التي احتججت بها هي قوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} التغابن16 و هذه الآية عامة و لا شك و لم يذكر لنا الأخ وجه التخصيص و لا دليله مع أن الأخ ذكر أكثر من مره أنه لا يجوز التقييد أو التخصيص أو النسخ بغير دليل و تدبر كيف احتج شيخ الإسلام رحمه الله بهذه الآية على مسائل الإعتقاد (وقد تقرر في الشريعة أن الوجوب معلق باستطاعة العبد كقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أخرجاه في الصحيحين.
فإذا كان كثير مما تنازعت فيه الأمة ـ من هذه المسائل الدقيقة ـ قد يكون عند كثير من الناس مشتبها لا يقدر فيه على دليل يفيده اليقين؛ لا شرعي، ولا غيره لم يجب علي مثل هذا في ذلك ما لا يقدر عليه، وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قوي غالب على ظنه لعجزه عن تمام اليقين؛ بل ذلك هو الذي يقدر عليه، لا سيما إذا كان مطابقا للحق. فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به الفرض إذا لم يقدر على أكثر منه.)
و كلام الشيخ هذا فيه كذلك رد على قول الأخ بأن الإعتقاد يجب فيه التصديق المتيقن و إلا كان شكا و لا يصح الإعتقاد مع الشك و كلام الأخ هذا مبني على مقدمتين باطلتين:
الأولى: أن الإعتقاد لا يصح إلا باليقين و الجزم.
و المقدمة الثانية: أن من غلب على ظنه بمرجح ظاهر دخله الشك و من دخله الشك لا يصح إيمانه
النتيجه صحيحه من دخله الشك لا يصح إيمانه و لكن مبنيه على مقدمات باطله فإن المرء إذا ما اجتهد و استفرغ وسعه و غلب على ظنه أمر و اعتقده فهذا و لا شك ينفعه و هو ما قدر عليه و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ثم إن من غلب على ظنه لا يكون شاكا لأن الشك هو استواء الطرفين لا غلبة الظن بأحد الأمرين فإن غلب ظنه بأحد الأمرين فله حالين:
الأول: إذا غلب ظنه بمرجح ظاهر فلا يدخل في اتباع الظن بل هو مأمور باتباع هذا الظاهر لأنه فعل ما يستطيعه.
و الثاني: من اتبع الأمرين بغير مرجح ظاهر و إنما اتباعا للهوى فهو ممن اتبع الظن و دخل في ما نهى الله عنه من اتباع الظن.
و قوله تعالى {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} يونس94 فالمتضادان لا يجتمعان و قد يرتفعان فالشك هو استواء الأطراف مع عدم الترجيح فالشك اعتقاد التوقف أو التردد و غلبة الظن أو الظن الراجح هو ترجح أحد الأمرين بمرجح و هما يتضادان و لا شك و قد يخلف غلبة الظن اليقين و هو من أضداد الشك و قد يخلف الشك غلبة الظن من غير مرجح ظاهر و هو كذلك من أضداد غلبة الظن بمرجح ظاهر و اليقين فهل يصح اعتقاد من غلبه الظن بمرجح ظاهر أم يقال بأنه قد دخله الشك في اعتقاده و هو ممن اتبع الظن.
و قال تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يونس104
¥