فعلى هذا القول لا يكون هناك تصديق إلا بيقين فلا يكون مصدقا إلا من كان متيقنا و أما من غلب على ظنه الصدق و صدق فلا يكون مصدقا لأنه غير ميتقن و هذا القول غير صحيح قال شيخ الإسلام رحمه الله (والذي مضى عليه سلف الأمة وأئمتها: أن نفس الإيمان الذي في القلوب يتفاضل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، وأما زيادة العمل الصالح الذي على الجوارح ونقصانه فمتفق عليه، وإن كان في دخوله في مطلق الإيمان نزاع، وبعضه لفظي، مع أن الذي عليه أئمة أهل السنة والحديث ـ وهو مذهب مالك، والشافعي، وغيرهم ـ: أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وأئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ـ مع جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ـ متفقون على أن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب كما تقوله الخوارج، ولا يسلب جميع الإيمان كما تقوله المعتزلة، لكن بعض الناس قال: إن إيمان الخلق مستوٍ، فلا يتفاضل إيمان أبي بكر وعمر وإيمان الفساق، بناء على أن التصديق بالقلب واللسان، أو بالقلب، وذلك لا يتفاضل.
وأما عامة السلف والأئمة، فعندهم أن إيمان العباد لا يتساوى، بل يتفاضل، وإيمان السابقين الأولين أكمل من إيمان أهل الكبائر المجرمين، ثم النزاع مبني على الأصلين:
أحدهما: العمل، هل يدخل في مطلق الإيمان؟ فإن العمل يتفاضل بلا نزاع، فمن أدخله في مطلق الإيمان قال: يتفاضل، ومن لم يدخله في مطلق الإيمان احتاج إلى الأصل الثاني وهو: أن ما في القلب من الإيمان هل يتفاضل؟ فظن من نفي التفاضل أن ليس في القلب ـ من محبة الله، وخوفه ورجائه، والتوكل عليه وأمثال ذلك مما قد يخرجه هؤلاء عن محض التصديق ـ ما هو متفاضل بلا ريب، ثم نفس التصديق ـ أيضًا ـ متفاضل من جهات:
منها: أن التصديق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون مجملاً، وقد يكون مفصلاً، والمفصل من المجمل، فليس تصديق من عرف القرآن ومعانيه، والحديث ومعانيه، وصدق بذلك مفصلاً، كمن صدق أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر ما جاء به لا يعرفه أو لا يفهمه.
ومنها: أن التصديق المستقر المذكور أتم من العلم الذي يطلب حصوله مع الغفلة عنه.
ومنها: أن التصديق نفسه يتفاضل كنهه، فليس ما أثنى عليه البرهان بل تشهد له الأعيان، وأميط عنه كل أذى وحسبان، حتى بلغ أعلى الدرجات، درجات الإيقان، كتصديق زعزعته الشبهات، وصدفته الشهوات، ولعب به التقليد، ويضعف لشبه المعاند العنيد، وهذا أمر يجده من نفسه كل منصف رشيد.
ولهذا كان المشائخ ـ أهل المعرفة والتحقيق، السالكون إلى الله أقصد طريق ـ متفقين على الزيادة والنقصان في الإيمان والتصديق، كما هو مذهب أهل السنة والحديث في القديم والحديث ... ).
فمن غلب على ظنه بمرجح الصدق و عمل بهذا التصديق لا يقال بأنه غير مصدق فالتصديق هو اعتقاد الصدق و اعتقاد الصدق قد يكون بالعلم الجازم و قد يكون بغلبة الظن.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[02 - 07 - 05, 04:19 م]ـ
و أما قول الأخ بن تميم (ولأنه لا مرتبة متوسطة بين الشك واليقين فإما هذه وإما تلك ..
هذا في الاعتقاد التي تصح به الديانة ... ).
يعني أن من غلب ظنه و لم يجزم لا يصح إيمانه بما غلب ظنه به لأنه لم يجزم علما بأن هذا التفريق كما ذكرنا سابقا لا أصل له لا من كتاب و لا سنة و لا قول صاحب بل هو قول أهل البدع الذين يشترطون أن تكون مسائل الإعتقاد مقطوع بها و إلا لا يصح الإعتقاد و التزموا على هذا الأصل رد خبر الواحد في العقائد لأنه يفيد الظن و ما يفيد الظن لا يعتمد عليه و يلزمهم أنه يجب اعتقاد وجوب الشي أو حرمته أو كراهته أو استحبابه في العمليات و لا يجوز العمل في الأحكام حتى يعتقد هذا فكيف ساغ لهم قبول خبر الواحد في العمليات مع أنه لا بد معه من اعتقاد و إلا لم يصح العمل
و ردوا خبر الواحد بحجة أنه يفيد الظن و لا يفيد الجزم في العقائد.
¥