فهو حكم و لا شك بما ظهر له من عدالتهم و هو مأمور بالحكم بعدالتهم و إن لم يجزم بعدالتهم و لكن يجب عليه القبول بتعديل غيرهم لهم فالظن واقع و لا شك إما في عدم جزمه بعدالة الشهود أو بعدم جزمه بصدق الموثقين أو أن يأتي أحدهم بحجة هي ألحن من حجة صاحبه فيقضي له بما ظهر له و لم يكن هذا من الظن المحرم.
و يجب أن يعلم هنا أن قولي بالعمل بالظن الراجح ليس معناه الظن المرجد من غير مرجح معتبر و إنما هو العمل أو الإعتقاد بمرجح معتبر مع عدم بلوغ مرحلة الجزم و اليقين لا كما أفهم من إطلاقات الأخ أن مرادي أي ظن و إن لم يكن هناك مرجح معتبر.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[03 - 07 - 05, 12:15 م]ـ
أما من استفرغ وسعه لإصابة الحق في العمل فقد أدى ما عليه وهذا ذكرته آنفاً في التعقيب ولم أخالفه ..
لكن لا يعني من فعل ذلك أنه أصاب الحق عند الله ..
فالعمل بشيء ينتج عنه قضيتين ..
الأولى: إصابة الحق عند الله تعالى وفيه الأجر ..
وهذا لا يكون إلا بعمل بيقين لأنه لا يتعارض ولا يتناقض ..
الثانية: العمل بما أمرنا به في تحري الحق وإن أخطأنا بلا نية للخطأ ..
فهذا فيه الأجر أيضاً ولا يعني أنه الحق عند الله ..
ولا يحل لنا ههنا أن ننسبه إلى الله تعالى إن كان بناء عن ظن ورأي ..
لأن هذه المسالك لم يطلبها الله تعالى منا أصلاً ..
وإنما طلب منا العمل بما أمرنا به فقط مما يوصلنا إلى القطع في نسبة شيء من الأحكام والديانة إلى الله تعالى ..
وكل طريق لا يوصل إلى القطع فلم نؤمر به ..
ومن قال بغير هذا فقد أخطأ يقيناً ..
ولوجب على القائل هذا أن ينسب كل الظنون التي قال بها كل مفتي منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا إلى الله تعالى وشرعه ..
وهذا أيضاً لا يقوله أهل الرأي أصلاً ..
وإنما يعملون بالظن تورعاً واحتياطاً مع عدم نسبتهم لشيء من ذلك إلى الله تعالى لعدم ثبوته من جهة القطع واليقين ..
فالصحابة رضي الله عنهم عملوا بما اجهدوا فيه الفكر والرأي حتى وصلوا لحكم ما وكان بالظن ..
ولم ينسبوه إلى الشرع البتة ..
فلما ورد عن غيرهم اليقين تركوا ما قالوه ..
وكذلك من بعدهم من التابعين ..
فلا محارجة في العمل بالاجتهاد وهذا ما قدمته آنفاً في التعقيب ..
وإنما في نسبة هذا العمل بالظن والرأي إلى الله تعالى والشرع والإلزام به ..
وهذا لا يدركه الكثير من طلبة العلم إلا من رحم الله .. ).
ذكرنا هنا ثلاثة أمور في الإجتهاد و استفراغ الوسع:
الأول: استفراغ الوسع في التنزيل و هذا مجمع عليه بأنه يجب على المجتهد استفراغ الوسع لإصابة الحق في نفس الأمر فإن أصاب الحق فله أجران و إن أخطأه فله أجر واحد و إذا أخطأه فلا شك أنه حكم بما غلب على ظنه أنه الحق و لكنه أخطأ إصابة الحق و قد يصيب الحق كما ثبت في الحديث الصحيح عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ».
فكما أن الحاكم إذا اجتهد و غلب على ظنه صحة الحكم قد يخطأ فكذلك لو اجتهد و غلب على ظنه صحة الحكم قد يصيب الحكم فإصابة الحكم قد تكون عن غلبة ظن و قد تكون عن يقين و جزم و أما الخطأ في الحكم لا يمكن أن يكون عن يقين و جزم حتى لو ادعى الحاكم اليقين لأن اليقين لا يمكن أن يكون خطأ أبدا و إنما هو غلبة ظن أخطأ في إصابة الحكم فيها فعذر لاجتهاده.
الثاني: الخطأ في الكليات و المراد بالكليات الأحكام العامة التي تلزم كل مسلم و هذا كذلك الخطأ فيها وارد فليس كل مسألة اتفق عليه المسلمون فكثير من المسائل سواء العلميات أو العمليات اختلف فيها المسلمون فمن اجتهد في فهم نصوص الكتاب و السنة و أخطأ في فهمه و لم يكن خطأه فيما لا يصح الإسلام إلا به كان معذورا أما ما لا يصح الإسلام إلا به فلا يعذر فيه إلا المكره فلا يقال بأن من قال بأن عيسى هو بن الله أو هو الله أو عبد مع الله غيره معذور لأنه اجتهد فإن حقيقة الإسلام لا تثبت إلا بإفراد الله بالعبادة و بالشهادة لنبينا صلى الله عليه و سلم بالرسالة و كل ما يناقضهما مناقضة تامة لا يعذر فيه بجهل و لا تأويل والإسلام: أن يستسلم العبد لله لا لغيره، كما ينبئ عنه قول
¥