و عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا».
فلا وجه لقول الأخ (هنا يحصل الخلاف لذلك يقول أهل الظاهر لا يجوز الحكم بالظن في فتيا أو قضاء أو حكم بين الناس في كل شيء ولا يحل نسبته إلى الشرع ... ) فالحكم بالظن المتساوي الأطراف من غير مرجح لا يختلف العقلاء بأنه لا يجوز فلم يبق إلا الحكم بالظن الراجح و الأدلة التي ذكرناها كلها تدل على جواز الحكم بالظن الراجح عند عدم القدرة على اليقين سواء في فهم النصوص أو في العمل بها و سواء كان هذا العمل حكم بين الناس أو فتيا.
ثم إن أهل العلم المعتبرين عند ترجيحهم لأحد المعاني في نص من النصوص لا يكون ترجيحهم لمجرد الظن لا بد أن يكون معهم مرجح إما نقلي أو عقلي و قد يكونون بلغوا مرتبة اليقين أم لم يبلغوها و اكتفوا بغلبة الظن و هذا أمر يعرفه كل ممارس مطلع على نصوص الكتاب و السنة و أقوال أهل العلم و ترجيحاتهم لمعاني هذه النصوص بعضها على بعض فليس كل ما رجحوه من معاني جزموا بصحته بل قد يكون العالم يرجح معنى من المعاني اليوم ثم تراه رجح معنى آخر لمرجح آخر بدا له و لم يقل أحد منهم بأنه يجب أبلغ مرحلة اليقين في ترجيحي هذا و إلا لا يجوز لي الترجيح و لو لم أبلغ اليقين أكون قد حكمت بالظن هذا لا يقوله صغار طلبة العلم فضلا عن أئمة الفقه و علماء المسلمين.
و الأخ مغرم بتخصيص النصوص من غير دليل مع أنه يستنكر هذا الفعل أشد الإنكار بل يوجب العمل باليقين لا بالظن عن الترجيح سواء كان هذا الظن راجح أو مرجوح فكلاهما عنده سواء فانظر قوله (واستدلالك في هذه الآية يؤكد قولي السابق في وجوب قطعية الاعتقاد ..
((و قال {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} الأنعام116 و قال {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام148و غيرها من الآيات.)) ..
فقوله تعالى وذمه لهم لأنهم اتبعوا الظن في اعتقادهم ..
بخلافك يا رسولنا لأنك تقطع باعتقادك ..
فإن تبعت ظنهم فيما يعتقدون فهذا ضلال ..
والآية تتكلم عن الاعتقاد ههنا لأن المخالف كافر وليس بمؤمن لنحمل الكلام على العمل ... ).
فالآية و إن كان لفظها ورد على مسائل التوحيد و إن كان ذكر فيها تحريم ما لم يحرمه الله تعالى كما قال تعالى عنهم (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الأنعام.
فهي تعم كل اتباع الظن لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فاتباع الظن محرم على كل حال سواء كان في مسائل الإعتقاد أو في مسائل الأحكام و سواء كان في تحقيق المناط أو في تنقيحه.
¥