الله عنهم عملوا بما اجهدوا فيه الفكر والرأي حتى وصلوا لحكم ما وكان بالظن .. ولم ينسبوه إلى الشرع البتة .. فلما ورد عن غيرهم اليقين تركوا ما قالوه .. وكذلك من بعدهم من التابعين .. فلا محارجة في العمل بالاجتهاد وهذا ما قدمته آنفاً في التعقيب .. وإنما في نسبة هذا العمل بالظن والرأي إلى الله تعالى والشرع والإلزام به .. وهذا لا يدركه الكثير من طلبة العلم إلا من رحم الله .. ) ..
فقال الأخ الفاضل ..
((ذكرنا هنا ثلاثة أمور في الإجتهاد و استفراغ الوسع:الأول: استفراغ الوسع في التنزيل و هذا مجمع عليه بأنه يجب على المجتهد استفراغ الوسع لإصابة الحق في نفس الأمر فإن أصاب الحق فله أجران و إن أخطأه فله أجر واحد و إذا أخطأه فلا شك أنه حكم بما غلب على ظنه أنه الحق و لكنه أخطأ إصابة الحق و قد يصيب الحق كما ثبت في الحديث الصحيح عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»)) ..
قال ابن تميم الظاهري ..
ليست هذه قضيتنا ومحل تنازعنا أصلاً ..
لازلت تذكر ما هو خارج عن محل النزاع ..
وبقية قولك يدل على عدم تفريقك بين اليقين واستعماله ..
وبين الظن واستعماله في مسألتنا بمعنى الحكم المبني على الظن ..
وكل ما تكلمت به في تطبيق هذا النص لا علاقة له في اعتراضي ومنعي من دعواك ..
فالمجتهد هذا إذا حكم فأخطأ ..
فالخطأ الذي لم يدركه أحد من الناس ففيه أجر بلا شك ..
أما الخطأ الذي بان وانكشف أنه خطأ فلا يحل للمجتهد هذا أن يقول به بعد البيان له عن الخطأ في قوله ..
والخطأ هذا كيف نعرف أنه أخطأ .. ؟!
أليس عن طريق من بين له الخطأ الذي وقع به ..
ولا جواب لك ههنا إلا بلى ..
فإذا بان الخطأ للمجتهد من قول غيره بما كان عن قطع وبرهان فلا يحل القول به ..
بل يتركه وقد ناله أجر النية الصالحة في إصابة الحق ..
ويجب عليه ههنا أن يرجع عنه ولا يحل له الاستمرار به وهو يعرف أنه خطأ ..
فالاستدلال بهذا النص ليس فيه حجة لكم وليس هو حجة علينا وليس أصلاً في محل نزاعنا ..
ثم إن العامل إذا اجتهد بالظن والأمر المشكوك في ثبوته وعدمه فهذا أمر يخصه ..
مع عدم وجود نص يوجب عليه هذا العمل ..
وإنما يقول من يعمل بذلك أنه أحوط ..
فأنا قلت ..
أن الله تعالى لم يأمرنا بالعمل بكل ما هو ظن ومشكوك به بل أمرنا بأن لا نقول عليه بشيء في دينه إلا ببرهان لا شك فيه ..
وإن عملنا بالخطأ ولم نعلم أنه خطأ أو قد تيقنا أنه ثبت عندنا بالظن فلا يحل أن ننسبه إلى الله تعالى ونقول حكم هذا الشيء هو شرع الله ..
بل هو رأيك وقولك وشرعك لنفسك ..
ولا يحل لنا أن نلزم به الناس ونقول لابد من امتثال هذا الظن ..
وأنه شريعة ربنا ..
فإما أن تثبت خلاف ما قلته وإما أن تقر به أو ببعضه وكل ذلك ليس لك طريق في الاعتراض أو الإثبات إلا ببرهان لا شك فيه ..
وقال الفاضل ..
((الثالث: الإعتقاد و الأخ يشترط أن يصل فيه المكلف إلى اليقين و أنه لا مرتبه وسط بين اليقين و الشك و بينا خطأ هذا الإطلاق و أن المكلف متى ما غلب على ظنه الحق فصدق به و اعتقده و أظهر الإلتزام به حكم له بالإسلام و نفعه هذه الإعتقاد في الدنيا و الآخرة و أن الجزم و اليقين و إن كان مطلوبا و لكن إن لم يقدر إلا على ما غلب ظنه لا يقال بأنك شاك و لا يصح إيمانك هذا من جهة التنظير قد يخالف فيه بعض المتكلمة و لكن من جهة التنزيل لا يمكن أن يحكم لمن جاء مسلما و قال بأنه يغلب على ظنه صحة الإسلام و أنه حق و يعتقد بكل ما فيه لا يمكن أن يحكم له بأنه لا زال على كفره و أنه ليس بمسلم لأنه لا زال شاكا.)) ..
قال ابن تميم الظاهري ..
هذا الاعتراض كله جاء بناء على خطأ في الفهم من المعترض ..
وعدم تفريقه بين اليقين والقطع ..
وقد بينا ذلك مما يبطل هذا الفهم عنا ..
فالاعتقاد الصحيح لا يلزم منه القطع ..
وإنما يلزم فيه اليقين ..
ومن فرق بين هذين علم أن اعتراض المعترض كان خطأ منه ..
فاليقين عدم الشك بالشيء سواء كان صحيحاً أو باطلاً ..
والقطع هو إثبات للشيء أو نفيه بالدليل والبرهان ..
¥