ولا ينص شرع على أن حكم كذا متعلق بوجود كذا إلا أن يكون سبباً أو صفة أو شرطاً ..
أما تسمية ذلك علة فهو باطل ..
لأن اللغة لا تعرف هذه التسمية الحادثة من أهل القياس ..
فإن العلة تلازم المعلول ضرورة ..
فكل ما ينتج ضرورة من شيء فهو علته ..
فالإشكال واقع في تسمية أهل القياس لهذا أنه علة ..
أنه من قال أن هذا الوصف ملازم لذلك الشيء .. ؟!
فهذا يحتاج إثبات من برهان ..
ثم من قال لكم أن هذا الوصف إذا وجد في ذلك الشيء يجب الحكم بكذا .. ؟!
فهذا يحتاج إثبات ببرهان أيضاً ..
فصار القياس ليس ثابتاً عند من يقول به بما يقطعون به ..
ولا صارت أجزائه مما يقطعون به ..
فظنون اجتمعت مع ظنون ..
لأن المنصف منهم لا يقول بثبوت القياس بما هو قاطع عنده ..
بل غالب من قال بجوازه يستدل إما بدلالة بعيدة مأولة ليست ظاهرة ..
وإما يستدل بإجماع سكوتي ..
والغريب العجيب ..
أن أكثر من يستدل للقياس بالإجماع السكوتي لا يرى حجية الإجماع السكوتي في الأصل ..
وجملتهم يسير على قاعدة أن الأصول يجب أن تثبت بالقطع لا بالظن ..
ثم يقولون أن تلك الدلالة في النص ليست قاطعة على مرادهم في الاعتبار ..
أليس هذا قولاً غريباً .. !
فأما نسبة العمل بالقياس إلى الصحابة والذي يراد به القياس عند المتأخرين فلا يصح ..
فهل يذكر لنا أحد رواية عن صاحبي وضع فيها الأصل والفرع والعلة والحكم .. ؟!
لو قلبنا تراث الأمة كلها لما وجدنا أحدهم تكلم في هذا ..
وكل ما يظن من فتواهم أنه القياس عند المتأخرين منهم فهو تخرص منهم ولم يقفوا على قول بشرائط القياس والعلة عندهم ..
فكيف نطلق القول أنهم عملوا بالقياس الذي عند المتأخرين بلا تصريح منهم .. ؟!
بل لو قال من منع هذه الدعوى ..
أن الصحابة لم يعملوا بالقياس الذي عندكم لصح كلامه ..
فلا يكون كلام كل أحد وفتوى كل أحد مخرجة على القياس عند المتأخرين ..
أما ما سماه قياسا صحيحاً إن نص الشارع على معنى ..
فهذا ليس بقياس أصلاً ..
وإن عمل الصحابة بهذا النوع وهو الحكم بالسبب والشرط فلم يعملوا بالقياس بما يعرفه أهل القياس من التأخرين والمعاصرين ..
فإن نفى الشارع الفارق بين شيئين في أحكام الديانة فأين هو القياس رعاك الله .. ؟!
فمن عمل بالنص الذي نفى الفرق فقد عمل بالنص ولم يعمل بقياس ..
وكذلك من عمل بالنص الذي قال إذا وجد هذا السبب أو الشرط فاحكموا بكذا فأين هو القياس رعاك الله .. ؟!
كل هذا عمل بالنص الوارد ولا مجال فيه للقياس أصلاً ..
فإن تأمل المجتهد فوجد سبباً نص الشارع على اعتباره موجباً للحكم حكم به ..
أما إيجاد سبب وخلق شرط وإحداث مؤثرات لم ينزل الله تعالى بها شرعاً ..
ولم يتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم ..
ولم يتكلم فيها ولا أمثالها الصحابة رضي الله عنهم فأي صواب في هذا وأي قطع ..
وأي شرع ننسبه ههنا إلى الله تعالى ونلزم الناس به ..
وكيف يكون هذا الشرع الذي يقول عنه الغزالي وهو أحد أئمة أهل القياس أنه صعب سبره وفهمه .. !
فإذا هذا كان إمام عندهم فيه يقول هكذا ..
فكيف بمن بعده وأدنى منه في العلم ..
وللقارئ أن ينظر الآن إن كانوا يطبقون هذا القياس ..
فأول ما يتركه كل نعم كل أهل القياس الذين صادفتهم فهو باب القياس من الأصول ..
ويدرسونه على عجل ويكتفون بتقليب كتب المذهب عندهم فيعرفوا هذا قياس أو ليس بقياس .. !
ووجدت أكثر من أعرفهم من أهل الظاهر أن أول باب وأهمه عندهم باب القياس ..
فيدرسونه ليعرفوا ما فيه وكيفيته حتى لا يتكلموا بشيء لا يعرفونه ..
لذلك قد أحسن الإمام ابن حزم الظاهري في بيان تناقض أهل القياس ..
ولولا خبرته وعلمه فيه لما تكلم فيه ..
ولما صنف فيه كتابه (الإعراب) ..
الذي كشف فيه تناقضات المذاهب فيه وفي غيره ..
فلو قلنا للقائل بالقياس في مسألة اختلفنا فيها ..
أمرنا الله تعالى بالرد إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
حتى يرتفع الخلاف ..
فلا يستطيع أحد أن يقول أن الرد إلى القياس يوجب رفع الخلاف ..
وإلا لماذا اختلف الفقهاء في المذاهب الأربعة وكان خلافهم لأجل القياس .. ؟!
فنحن نسأل ببساطة ..
هل يوجب القياس رفع الخلاف أو يثبته ويفرعه .. ؟!
ولا أظن أحد تأتيه الجرأة فيقول أنه يوجب رفع الخلاف ..
فالله تعالى أمرنا بالرجوع لشيء لا يختلف فيه أحد ..
¥