1. قال أبو زيد الدبوسي: الفرض: التقدير، والوجوب: السقوط، فخصصنا اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع؛ لأنه الذي يعلم من حاله أن الله قدره علينا، والذي عرف وجوبه بدليل ظني نسميه بالواجب؛ لأنه ساقط علينا.
2. أن الفرض في اللغة التأثير ومنه فرضه النهر والقوس والوجوب السقوط ومنه وجبت الشمس والحائط إذا سقطا ومنه قوله تعالى فإذا وجبت جنوبها فاقتضى تأكد الفرض على الواجب شرعا ليوافق مقتضاه لغة ولا خلاف في إنقسام الواجب إلى مقطوع ومظنون.
المطلب الرابع: الفرق بين الفرض والواجب عند القائلين بالتفريق
واختلف القائلون في الفرق بين الفرض والواجب على أقوال:
القول الأول: أن ما طلب الشارع فعله طلبا حتما إذا كان دليل طلبه قطعيا عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا بأن كان آية قرآنية أو حديثا متواترا فهو الفرض، وإن كان دليل طلبه ظنيا بأن كان حديثا غير متواتر أو قياسا فهو الواجب.
فإقامة الصلاة فرض لأنها طلبت طلبا حتما بدليل قطعي هو قوله تعالى: (أقيموا الصلاة).
وقراءة الفاتحة في الصلاة واجبة لأنها طلبت طلبا حتما بدليل ظني عندهم هو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب). وقال التفتازاني في الحدود: ومن وجه آخر فإن السنة المؤكدة تسمى واجباً ولا تسمى فرضاً مثل سجدة التلاوة.
القول الثاني: فَرَّقَ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ بِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اللَّهِ وَالْإِيجَابَ يَكُونُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ غَيْرِهِ. يُقَالُ: فَرَضَ اللَّهُ كَذَا وَأَوْجَبَ , وَلَا يُقَالُ: فَرَضَ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ , وَإِنَّمَا يُقَال: أَوْجَبَ , أَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهُ كَذَا. ونسبه التفتازاني في الحدود إلى بعضهم دون تسمية.
القول الثالث: الفرض ما ثبت بالقرآن، والواجب ما ثبت بالسنة. وقد نسبه ابن رجب في جامع العلوم والحكم إلى بعض أصحاب أحمد توجها لأقواله وفتاويه.
القول الرابع: حَكَاه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْفَرْضَ مَا أُجْمِعَ عَلَى وُجُوبِهِ وَالْوَاجِبَ مَا كَانَ مُخْتَلِفًا فِي وُجُوبِهِ. ولم أجد أحدا نسبه للحنفية، فلعله لبعضهم.
المطلب الخامس: مناقشة الجمهور للحنفية
قال الشيرازي في اللمع: والتفريق خطأ لأن طريق الأسماء الشرع واللغة والاستعمال وليس في شيء من ذلك فرق بين ما ثبت بدليل مقطوع به أو بطريق مجتهد فيه. وقال الآمدي في الإحكام: كيف وإن الشارع قد أطلق اسم الفرض على الواجب في قوله تعالى فمن فرض فيهن الحج" (البقرة: 197) أي أوجب. والأصل أن يكون مشعرا به حقيقة وأن لا يكون له مدلول سواه نفيا للتجوز والاشتراك عن اللفظ. والذي يؤيد إخراج قيد القطع عن مفهوم الفرض إجماع الأمة على إطلاق اسم الفرض على ما أدى من الصلوات المختلف في صحتها بين الأئمة بقولهم أد فرض الله تعالى والأصل في الإطلاق الحقيقة وما ذكره الخصوم في تخصيص اسم الفرض المقطوع به فمن باب التحكم حيث إن الفرض في اللغة هو التقدير مطلقا كان مقطوعا به أو مظنونا فتخصيص ذلك بأحد القسمين دون الآخر بغير دليل لا يكون مقبولا وبالجملة فالمسألة لفظية.
وقال في المحصول: وهذا الفرق ضعيف لأن الفرض هو المقدر لا انه الذي ثبت كونه مقدرا علما أو ظنا كما أن الواجب هو الساقط لا انه الذي ثبت كونه ساقطا علما أو ظنا وإذا كان كذلك كان تخصيص كل واحد من هذين اللفظين بأحد القسمين تحكما محضا.
وَقَدْ نُقِضَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْقَعْدَةَ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا , وَمَسْحَ رُبْعِ الرَّأْسِ فَرْضًا. وَلَمْ يَثْبُتْ بِقَاطِعٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَجَعَلُوا الْوُضُوءَ مِنْ الْفَصْدِ فَرْضًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِقَطْعِيٍّ , وَكَذَلِكَ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ بَعْدَمَا أَدَّى الصَّلَاةَ , وَالْعُشْرَ فِي الْأَقْوَاتِ , وَفِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
المطلب السادس: الراجح من الأقوال
¥