- " و تخصيص النطق بالقياس، و نعني بالنطق: قول الله تعالى وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "، يعني: أن الكتاب و السنة كلاهما يُخصص بالقياس، فتخصيص الكتاب بالقياس – كما سبق – في قياس العبد على الأمة في تَنَصُّفِ حد الزنى، و أما تخصيص السنة بالقياس، فمثاله قول النبي صلى الله عليه و سلم: " البكر بالبكر جلد مئة و تغريب عام "، فخُصَّ من الحديث: العبدُ قياساً، فيتنصف الحد في حقه، قياسا على الأمة.
المجمل و المبين
و المجمل: ما افتقر إلى البيان، و البيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، و النص: ما لا يحتمل إلا معنى واحداً، و قيل: ما تأويله تنزيله، و هو مشتق من منصة العروس، و هو الكرسي.
عقد هذا الباب لـ: المجمل و المبين، فـ:
المجمل: هو اللفظ الخفي الدلالة، خفاءً راجعا إلى عمومٍ فيه أو إطلاقٍ.
و المبين: هو اللفظ الواضح الدلالة، لتخصيصٍ فيه أو تقييدٍ.
الْمُجمل:
لغة: مُفْعَلٌ، لصيغة اسم المفعول في الوصف، من أجمله، أي: أذابه، و الإجمال: الإذابة، أجمل الشحم أي: أذابه، و الكلام الذي لا تتضح الدلالة منه كالشحم المذاب.
اصطلاحا: ما افتقر إلى البيان.
و المراد بافتقاره: افتقارنا نحن في فهمه إلى البيان، و ذلك لأسباب كثيرة، هي أسباب الإجمال، منها:
- عدم معرفة المراد بسبب الاشتراك في الدلالة، كقوله تعالى: " إلا أن يعفون أو يعفوَ الذي بيده عقدة النكاح "، و الذي بيده عقدة النكاح، يُمكن أن يُقصَد به: الزوج، و يمكن أن يقصد به: الولي، كذلك قوله تعالى: " و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء "، هل المقصود: الحيض أو الطهر، فالقَرْء يطلق على الحيض، كقول الراجز:
يا رُبَّ ذي ضغن علي قارضي له قروءٌ كقروء الحائض
[و في " اللسان ": و أنشد ثعلب:
يا رُبَّ مَولًى ساءَني مُباغِضِ عليَّ ذِي ضَغْنٍ وضَب فارضِ
له قُروءٌ كقُروء الحائِض ِ] (زيادة من زكرياء).
و يطلق على الطهر، و منه قول الأعشى:
أفي كل عام أنت عازمُ غزوةٍ تشد لأقصاها عزيمَ عزائك
مورثة مالا و في الحي رفعةً لما ضاع فيها من قروء نسائك
- و قد يكون الإجمال راجعا إلى كون المفرد نفسه خفيَّ الدلالة، كقوله تعالى: " و الليل إذا عسعس " فيمكن أن يكون معناه: الإقبال، و يمكن أن يكون معناه: الإدبار.
- و قد يكون ذلك للاشتراك في دلالة الحرف، كقوله تعالى: " و امسحوا برؤوسكم "، الباء هنا يمكن أن تكون: للإلصاق، و يمكن أن تكون: للتبعيض.
- عدم معرفة الصفة، كالعام إذا لم يرد له بيان، مثل قوله تعالى: " أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة "، فهذا محتاج في معرفته إلى البيان، فبين النبي صلى الله عليه و سلم الصلواتِ الخمسةَ، و بين الزكاة.
قال: " و البيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي ".
البيان في الأصل، هو: الإظهار، اسم مصدر " بيَّن الشيءَ تبياناً " إذا أظهره.
- " إخراج الشيء " أي: الدليل.
- " من حيز الإشكال إلى حيز التجلي " أي: الظهور.
و التجلي: من جلاه إذا أظهره.
قال: " و النص: ما لا يحتمل إلا معنى واحداً "، هذا ليس من المجمل و لا من المبين، بل هو من الألفاظ الأخرى المقاربة للمعنى.
- من مصطلحات الأصوليين: النص.
و النص لغة: يُطلق على الإسراع في السير، و منه حديث: " إذا وجد فرجة نصَّ " أي: أسرع، و يُطلق على الرفع، و منه: المنصة، و هي المكان المرتفع الذي يرتفع عليه المتكلم، و منه قول امرئ القيس:
و جيدٍ كجيدِ الريم ليس بفاحش إذا هي نصَّته و لا بمعطَّلِ
أي: رفعته.
و منه قولهم:
و نُصَّ الحديثَ إلى أهله فإن السلامةَ في نصه
أي: في رفعه إلى قائله، و نسبته إليه.
و النص في الاصطلاح: ما أفاد معنى لا يحتمل غيرَه.
هذا في اصطلاح المتكلمين، و المتكلمون يقسمون الكلام إلى: واضح الدلالة، و خفي الدلالة.
فواضح الدلالة، ينقسم إلى قسمين: النص و الظاهر.
و خفي الدلالة، ينقسم إلى قسمين: المجمل و المتشابه.
- و الحنفية يقسمون واضح الدلالة إلى أربعة أقسام: المفسَّر، و المبيَّن، و النص، و الظاهر.
- و يقسمون خفي الدلالة إلى أربعة أقسام: الخفي، و المجمل، و المشكل، و المتشابه.
و كل هذا اصطلاحٌ.
¥