قال: " و قيل: ما تأويله تنزيله " أي: على ما جاء عليه.
- فالتأويل، بمعنى: بروزه إلى العيان، بعد أن كان خفيا، و قد قال ابن رواحة رضي الله عنه:
خلُّوا بني الكفار عن سبيله نحن ضربناكم على تنزيله
و اليوم نضربكم على تأويله
" ضربناكم على تنزيله "، لما نزل قول الله تعالى: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم و مقصرين لا تخافون "، و " اليوم نضربكم على تأويله " عند تحققه في عمرة القضاء.
قوله: " و هو مشتق من منصة العروس، و هو الكرسي "، و هو ليس كذلك، بل كلاهما مشتق من " النصِّ " الذي هو: الرفع.
و منصة العروس: أي المكان الذي تُجلى عليه فتُظهَر، و هو الكرسي.
الظاهر و المؤول
والظاهر: ما احتمل أمرين، أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل، ويسمى الظاهر بالدليل.
الظاهر: مقابل " النص "، و هو " فاعل " وصفٌ من " ظَهَر " إذا اتضح، فالظاهر: واضح الدلالة.
و هو في الاصطلاح: ما احتمل أمرين، أحدهما أظهر من الآخر، فهو دون النص في الظهور.
- " ما احتمل أمرين " أي: معنيين.
قال: " و يؤول الظاهر بالدليل ".
- " يؤول " أي: يُرجع إلى أصله، و التأويل: إرجاع الشيء إلى غيره، من " آل إليه، يَؤُول " إذا: رجع، و إذا أُوِّلَ سُمِّيَ بـ: المؤول.
و قوله " و يؤول الظاهر بالدليل " معناه أنه لا تأويل إلا بدليل.
قال: " ويسمى الظاهر بالدليل ".
فدليل التأويل هو الذي يُصرف به اللفظُ عن ظاهره إلى غيره، فالظاهر إذاً قسمان:
1 – ظاهر من جهة اللفظ، أي: بلفظه ظاهر.
2 – ظاهر من جهة الدليل، أي: دل الدليل على تأويله، فأصبح ظاهرا في المعنى الآخر الذي كان خفيا فيه.
و للتأويل شروط:
1 – أن يكون بدليل، فلا يمكن أن يُؤول بغير دليل.
2 – أن يكون اللفظ قابلا للتأويل، فإن كان اللفظ صريحا لا يقبل التأويل فلا يمكن تأويله.
3 – أن يقع فيه موجب للتأويل.
4 – أن يكون اللفظ الذي أُوِّلَ إليه محتملا، أي: مقبولا في العربية، فلا يمكن أن يُحمل اللفظ على ما لا تقتضيه اللغة بوجه من الوجوه، فذلك تأويل فاسد.
و الظهور له أسباب فيمكن أن يكون الظهور بسبب:
1 – الحقيقة، لأن الحقيقة مقدمة على المجاز.
2 – الإثبات مقدم على الحذف، فما لا يقتضي حذفا أولى مما فيه حذف.
3 – و العموم مقدم على الخصوص، فكون اللفظ متناولا لكل ما يصلح له هو أولى من تخصيصه.
الأفعال
فعل صاحب الشريعة لا يخلو: إما أن يكون على وجه القربة و الطاعة، أو غير ذلك، فإن دل دليل على الاختصاص به يحمل على الاختصاص، و إن لم يدل لا يخصّ به، لأن الله تعالى يقول: ? لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ?، فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا، و من أصحابنا من قال: يحمل على الندب، و منهم من قال: يتوقف عنه، فإن كان على وجه غير القربة و الطاعة، فيحمل على الإباحة في حقه و حقنا.
و إقرار صاحب الشريعة على القول الصادر من أحد هو قول صاحب الشريعة، و إقراره على الفعل كفعله، و ما فعل في وقته في غير مجلسه و علم به و لم ينكره، فحكمه حكم ما فعل في مجلسه.
الأفعال: جمع " فعل "، و المقصود بها هنا: نوع من أنواع الأدلة، و هو: أفعال رسول الله صلى الله عليه و سلم.
فإن من الأدلة الإجمالية: السنة، و هي: أقوال النبي صلى الله عليه و سلم و أفعاله و تقريراته مما يلصلح دليلا لحكمٍ شرعي.
و لما كانت أفعال النبي صلى الله عليه و سلم أنواعا، بدأ المؤلف بتصنيفها، فـ:
قال: " فعل صاحب الشريعة لا يخلو: إما أن يكون على وجه القربة و الطاعة، أو غير ذلك ".
فعل النبي صلى الله عليه و سلم، و هو " صاحب الشريعة " أي: مبلغها عن الله تعالى، لا يخلو إما أن يكون على وجه القربة و الطاعة أو غير ذلك.
- " على وجه القربة و الطاعة " بأن يكون تشريعا و بينا لما أرسله الله سبحانه و تعالى به.
- " أو غير ذلك " أي:
1 - أن يكون غير ذلك بأن يكون جبلة، كالعطاس و النوم و الاستيقاظ و الأكل و الشرب و غير ذلك.
2 - أو يكون مترددا بين الأمرين، بين الجبلة و التشريع كالضجعة بعد ركعتي الفجر، و كجلوس الاستراحة.
¥