قال: " و ما فعل في وقته في غير مجلسه و علم به و لم ينكره، فحكمه حكم ما فعل في مجلسه ".
- " ما فُعل في وقته " أي: ما كان تحت إِمْرَتِه، بخلاف ما لم يكن تحت إمرته كما كان في العهد المكي من أفعال أهل الجاهلية، فهو و إن لم يصرح بإنكاره فإن سكوته عنه ليس إقرارا له.
أما ما كان في المدينة تحت إمرته، فحصل، و علمَ به، و لم يُنكره، فيُعتبر ذلك إقرارا منه له، و حكمه: حكم ما فُعل في مجلسه.
- و يُضاف إلى هذا ما فُعل في عهد النبي صلى الله عليه و سلم من بعض المؤمنين، و لو لم يعلم به النبي صلى الله عليه و سلم، لكن لم يُنزَّل الوحي بإنكاره، و قد كان ظاهرة منتشرة بينهم، فيُعتبر ذلك إقرارا من الله سبحانه و تعالى له، إذْ لو كان منكرا لنزل الوحي بإنكاره، و دليل ذلك قول جابر رضي الله عنه: " كنا نعزل و القرآن ينزل "، فقد بين أن هذه الظاهرة كنت منتشرة في وقت نزول الوحي، فلم يُنزَّل القرآن بإنكارها و تحريمها، فدل ذلك على جوازها، و هذا من إقرار الله سبحانه و تعالى و هو أبلغ من إقرار النبي صلى الله عليه و سلم.
النسخ
و أما النسخ، فمعناه لغة: الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته، و قيل: معناه النقل، من قولهم: نسخت ما في هذا الكتاب، أي: نقلته، و حدُّه: هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً، مع تراخيه عنه.
و يجوز نسخ الرسم و بقاء الحكم، و نسخ الحكم و بقاء الرسم، و نسخ الحكم و الرسم معاً، و النسخ إلى بدل، و إلى غير بدل، و إلى ما هو أغلظ، و إلى ما هو أخف، و يجوز نسخ الكتاب بالكتاب، و نسخ السنة بالكتاب، و نسخ السنة بالسنة، و يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر، و نسخ الآحاد بالآحاد و بالمتواتر، [و لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة]، و لا المتواتر بالآحاد.
عقد هذا الباب لشرح مصطلح النسخ و بيان أنواعه.
و النسخ، لغة: الإزالة، من قولهم: " نسخت الريحُ الأثرَ " إذا أزالته، و " نسخت الشمس الظلَّ " إذا أزالته، و يُطلق أيضا على: النقل، فتقول: " نسخت الكتاب " إذا نقلت ما فيه.
و اصطلاحا: تغيير الحكم الشرعي بخطاب متراخٍ عنه.
و النسخ لا يكون إلا بخطاب، فلا نسخ بقياس و لا بإجماع، فلا يكون النسخ إلا بوحي.
و الخطاب المنسوخ، لابد أن يكون وحيا من كتابٍ أو سنة، فالبراءة الأصلية لا تُنسخ، فإذا نزل الحكم على غير وَفْقِها، لم يُعتبر ذلك نسخا، لأن كل الأحكام هكذا، فوجوب الصلاة سبقته البراءة الأصلية، و وجوب الزكاة سبقته البراءة الأصلية، و حرمة الخمر سبقتها الإباحة الأصلية.
قوله: " فمعناه لغة: الإزالة، ................. ، و قيل: معناه النقل "، حكايته للخلاف لا وجه لها، بل هو في اللغة يُطلق على هذين المعنيين، و على: التغيير.
قال: " و حدُّه: هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً، مع تراخيه عنه ".
- " و حده " أي: تعريفه.
- " هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً، مع تراخيه عنه "، هذا تعريف للناسخ لا للنسخ، فلو قال: " هو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخي الخطاب عنه " لكان هذا تعريفا للنسخ.
- و المراد بـ " الرفع ": إزالته و تغييره.
- و " الحكم " هنا، المقصود به الحكم الشرعي فقط.
- " الثابت بالخطاب " أي: الذي أُنزل به وحي.
- " المتقدم عليه "، فالمتقدم على ينسخ المتأخر.
- " على وجه لولاه لكان ثابتا "، أي: لولا ذلك الوجه، لكان الحكم ثابتا.
- " مع تراخيه عنه " أي: مع تأخره عنه، فلو جاء متصلا به لاعتُبِر ذلك تخصيصا، و لم يٌعتبر نسخا، و هذا التراخي ليس له مدة محددة، بل قد يحصل بالقرب، كما حصل في قصة صدقة بين يدي النجوى، فإن الله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، ذلك خير لكم و أطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم * آشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا و تاب الله عليكم فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة "، فنُسخ ذلك الحكم على القرب، و ذلك من فضل الله و رحمته، و قد نُسخ قبل التمكن من
¥