3. و إذا لم يمكن النسخ: فالترجيح، مثل حديث ميمونة بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوجها و هو حلال، و في حديث ابن أختها – عبد الله بن عباس – أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوجها و هو محرم، فميمونة صاحبة القصة، مقدمة في الرواية على ابن عباس، و أيضا يشهد لحديثها حديث أبي رافع، فإنه أخبر أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة و هو حلال، قال: " و كنت أنا الرسول بينهما ".
أما الحالة الثالثة: أن يكون بين دليلن، أحدهما عام و الآخر خاص:
فيُخصص العام بالخاص، و ذلك مثل قول الله تعالى: " و السارق و السارقة فاقطعوا أيدهما "، فعمم كلَّ سارق و كل سارقة، و خصص ذلك النبي صلى الله عليه و سلم بقوله: " لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا " و بقوله: " لا قطع في ثمر و لا كثر "، و بقوله: " و لا في حريسة الجبل ".
فهذا كله يدل على تخصيص السرقة بالنصاب، و أن يكون مما لا شبهة للسارق فيه، و أن يكون مُحرزًا بحرز جنسه.
أما الحالة الرابعة: أن يكون بين دليلن، أحدهما أعم من الآخر من وجه، و الآخر أخص من وجه.
الجمع بينهما، باختلاف المحل، بأن يُخصص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر، إن دل عليه دليل، و مثاله قول الله تعالى: " و الذين يُتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا " فهذه الآية عامة في المتوفى عنها، فيشمل ذلك: الحامل و غير الحامل، و هي خاصة بالمتوفى عنها، فتُخرج المطلقة، و الآية الثانية، هي قول الله تعالى: " و أولات الأحمل أجلهن أن يضعن حملهن " فهذه الآية خاصة في الحوامل، و عامة في كل ذات فرقة، سواء كانت متوفى عنها أو مطلقة.
فالعمومان يُخصصان بالخصوصين، فيُخصص قوله تعالى: " و الذين يُتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا " بأن ذلك في غير الحوامل، أو يُخصص قوله تعالى: " و أولات الأحمل أجلهن أن يضعن حملهن " بأن ذلك في الطلاق دون الوفاة.
و هذه المسألة فيها خلاف على ثلاثة أقوال:
1. قيل: تعتد بأربعة أشهر و عشرا، أي: بعدة المتوفى عنها: مطلقا.
2. و قيل: تعتد بوضع الحمل.
3. و قيل: بأقصى الأجلين.
الإجماع
و أما الإجماع: فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة، و نعني بالعلماء: الفقهاء، و نعني بالحادثة: الحادثة الشرعية.
و إجماع هذه الأمة حجة دون غيرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ? لا تجتمع أمتي على ضلالة ?، و الشرع ورد بعصمة هذه الأمة.
و الإجماع حجة على العصر الثاني، و في أي عصر كان، و لا يشترط انقراض العصر على الصحيح.
فإن قلنا: انقراض العصر شرط، فيعتبر قول من ولد في حياتهم و تفقه و صار من أهل الاجتهاد، و لهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم.
و الإجماع يصح بقولهم و بفعلهم، و بقول البعض و بفعل البعض، و انتشار ذلك و سكوت الباقين عنه.
عقد هذا الباب للنوع الثالث من الأدلة الإجمالية و هو: الإجماع.
و الإجماع: مصدر " أجمعَ على الأمرِ " و " أجمعَ الأمرَ " إذا: عزم عليه.
و يُطلق على: الاتفاق، كما قال تعالى: " فأجمعوا أمركم و شركاءكم " أي: اعزموه و اتفقوا عليه.
و هو اصطلاحا: اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه و سلم في عصر من العصور بعد موته على حكم شرعي.
قوله: " فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة ".
- " اتفاق علماء العصر " أي: اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه و سلم في أي عصر من العصور.
- " على حكم الحادثة " أي: على حكم شرعي اجتهادي.
- و إجماعهم: حجة، لقوله تعالى: " و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا "، فهذه الآية كانت من المتاشبه في عصر النبي صلى الله عليه و سلم، و زال عنها التشابه بموته صلى الله عليه و سلم، ففي حياته لم يكن للمؤمنين سبيل إلا ما جاء به، لأن الإجماع في حياته لا اعتبار له، فإما أن يوافقهم و إما أن يخالفهم، فإن وافقهم فالعبرة بقوله صلى الله عليه و سلم لا بقولهم، لأنه المشرع المبلغ، و إن خالفهم فإجماعهم فاسد الاعتبار لمخالفته للنص.
¥