و الخبر ينقسم إلى قسمين: آحاد و متواتر، فالمتواتر: ما يوجب العلم، و هو: أن يروي جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم، إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه، و يكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد. و الآحاد: هو الذي يوجب العمل، و لا يوجب العلم.
و ينقسم إلى: مرسل، و مسند، فالمسند: ما اتصل إسناده، و المرسل: ما لم يتصل إسناده، فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس ذلك حجة، إلا مراسيل سعد بن المسيب فإنها فتشت فوجدت مسانيد.
و العنعنة: تدخل على الأسانيد.
وإذا قرأ الشيخ، يجوز للراوي أن يقول: حدثني أو أخبرني، وإذا قرأ هو على الشيخ، فيقول: أخبرني، و لا يقول: حدثني، و إن أجازه الشيخ من غير قراءة، فيقول: أجازني أو أخبرني إجازة.
الأخبار: جمع: خبر، و هو: ما يحتمل الصدق أو الكذب من الكلام.
و المقصود به هنا: تعريف الخبر، و بيان أنواعه، من ناحية الاحتجاج.
قال: " و أما الأخبار: فالخبر ما يدخله الصدق و الكذب " أي: ما يقبل التصديق و التكذيب.
قال: " و الخبر ينقسم إلى قسمين " أي: من ناحية الوُرُود و الرواية " آحاد، و متواتر " فالآحاد أكثر، و المتواتر أقلّ.
قال: " فالمتواتر: ما يوجب العلم ".
المتواتر: مشتق من " التواتر " و هو أن يطأ بعضُ الإبل آثارَ بعضٍ، فيُقال: تواترت الإبل أي: وطئ بعضُها آثارَ بعض، و يُقال: تواتر السيل أي: تواطأ في اتجاه محدد.
فبدل أن كان شفعاً أصبح وَتراً، وذلك: إذا كانت الناقة تَطؤ على أثر الأخرى، فقد كان مع الأولى ثانية لها، فكانت شفعا، فلما وطئت أثرَها أصبح أثرُهما كأثر واحدة، فكانتا: وَتْرًا بذلك، ولهذا يُسمى بالتواتر.
و عرفه بأنه: " ما يوجب العلم " أي: إنه يوجب العلم اليقيني الضروري، و قد سبق ذلك في شرح العلم الضروري.
قال: " و هو: أن يروي جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم، إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه " أي أنه خبرُ جماعةٍ تحيل العادة اتفاقهم على الكذب، بأن لم يكونوا من سن واحدة، و لا من مكان واحد، فإذا كانت الجماعةُ سريةً من جيشٍ – مثلا – لها قائد واحد، فيمكن أن تتواطأ على الكذب بأمر ذلك القائد، لكن إذا كانت الجماعة من مختلف الأعمار و الألسنة و لم تخرج من مكان واحد، و لم تجمعها قيادة أمير واحد، فإن العادة تحيل تواطؤها على الكذب.
و لا تحديد لعدد الجماعة، بل ذلك مما يتفاوت الناس فيه، فقد يحصل العلم اليقيني بخبر بعضهم، و لا يحصل بخبر أضعاف ذلك العدد، لحصول الثقة، و لهذا قال: " و هو: أن يرويه جماعة " أي: أن يحدثوا، " لا يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم " أي: لا تجيز العادة أن يتواطؤوا على الكذب، " إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه " أي: أن يكون ذلك في كل طبقة، أي: استواء طرفيه – أي طرفي الإسناد الأعلى و الأسفل – و وسطه في العادة – أي: أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب – و العدد – أي: في حصول العدد، بأن يكونوا جماعة –.
فإن انفرد عدد يسير محصور في طبقة من الطبقات لم يُعتبر ذلك متواترا، بل اعتُبِرَ آحادا، و ذلك مثل حديث: " إنما الأعمال بالنيات .... " فقد رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم – بقيد اللفظ و الصحة – عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه و انفرد به، و رواه عن عمر – بقيد اللفظ و الصحة –: علقمة بن وقاص الليثي و انفرد به، و رواه عن علقمة – بقيد اللفظ و الصحة –: محمد بن إبراهيم التيمي و انفرد به، و رواه عن محمد بن إبراهيم – بقيد اللفظ و الصحة –: يحيى بن سعيد الأنصاري و انفرد به، ثم رواه عن يحيى بن سعيد: أكثرُ من سبعمائة نفسٍ، فتواتر بعد ذلك.
فهذا لا يكون متواترا، لأنه في بعض طبقاته: انفرد به بعض الناس دون بعض.
قال: " إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه " أي: إلى نهاية الإسناد.
قال: " و يكون في الأصل عن مشاهدة " أي: أن التواتر لا يكون إلا عن الحسيات، فلا تواتر في العقليات، و لا في التجريبيات – أي: العاديات –، فلا يمكن أن يُقال: تواتر لديَّ أن السماء فوق الأرض، أو أن الواحد نصفُ الاثنين.
فذلك في الأمور العقلية لا فائدة فيه، فلا عبرة بكثرة القائل في الأمور العقلية.، إنما العبرة بصحة ذلك عقلا و قبوله و تسليمه.
¥