قال: " و من الناس من يقول بضده، و هو: أن الأصل في الأشياء أنها على الإباحة إلا ما حظره الشرع ".
و هذا مذهب الجمهور، و هو أن الأصل في الأشياء: الإباحةُ إلا عرض فيه الحظر.
و الراجح: أن الأصل في الأعيان و الأفعال المنتفع بها – قبل رورد الشرع –: الإباحة، لقوله تعالى: " هو الذي خلق لكم ما الأرض جميعا "، و قال: " و الأرض وضعها للأنام، فيها فاكهة و النخل ذات الأكمام، و الحب ذو العصف و الريحان "، فدل هذا على إباحة كل ذلك.
و لهذا نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن .............. عن الأحكام حتى يُحرم الإنسان ما كان حلالا، فقال: " إن من أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يُحرم، فحرم من أجل مسألته "، و الله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء عن تُبْدَ تسؤكم و إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها " فجعل هذا من العفو، الذي هو: مباح، فكل مسكوت عنه: فهو على أصل الإباحة.
و محل هذا: في الأفعال و الأعيان المنتفع بها.
و أما ما لا نفع فيه، فإن تمحض ضرره كان على التحريم، و منه الخبائث كلها، لقول الله تعالى: " الذين يتعبون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث ".
الاستصحاب
و معنى استصحاب الحال: أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي.
- " الاستصحاب " و هو مصطلح أصولي لنوع من أنواع الأدلة، و هو دليل عقلي، و هو من الأدلة المختلف في الاحتجاج بها.
و الاستصحاب: طلب الصحبة، و المقصود به: إثبات ما ثبت في الماضي في الحال.
فما ثبت له وصف في الماضي، يُستصحب له، أي: يُحكم بصحبته لذلك الوصف حتى يأتي ما يغير حاله.
قال: " و معنى استصحاب الحال: أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي ".
معناه: أن يُلتزم الحال الذي سبق أنْ ثبت للشيء، حتى يأتي ما يغيره عنه.
و لهذا يُقال في تعريفه: هو الحكم بأن ما ثبت في الزمن الماضي باق على الزمن المستقبل، و هذا هو معنى قولهم: " الأصل بقاء ما كان على ما كان "، و هذا هو معنى قولهم: " الذمة إذا عَمَرَت بمحقق لا تبرأ إلا به "، و " الأصل براءة الذمة "، و هكذا.
- و الاستصحاب أنواع، منها:
1 – استصحاب العدم الأصلي حتى يأتي الدليل الناقل عنه، و هذا هو الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله بقوله: " أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي "، فيُقال: الأصل في الأشياء الطهارة، فإذا جاء دليل ناقل عن ذلك أُخذ به.
و جمهور أهل العلم يأخذ بهذا النوع.
2 – استصحاب ما دل الشرع على ثبوته و دوامه، كاستصحاب الطهارة بناءً على ما مضى من الوضوء، كمن كان على طهارة موقنا بها، فطرأ عليه شك في تلك الطهارة، فذلك الشك عند الجمهور غير ناقض للطهارة السابقة، لأن: " اليقين لا يُزال بالشك "، و قد ذهب المالكية إلى أن ذلك الشك العارض ناقض، و أخذوا باستصحاب أمر آخر، و هو: استصحاب ما كان قبل الطهارة، فيقولون: " الأصل أن الإنسان غير متوضئ، و قد توضأ و لكن وضوءه الآن مشكوك فيه، فلا ينقل عن الأصل المقطوع به و هو: عدم الطهارة ".
و الجمهور يخالفونهم في ترتيب هذا الدليل، فيقولون: " الأصل فيمن تطهر أن يبقى على طهارته حتى يتحقق الناقض "، و لا يختلفون في حل الموسوس، لنه ورد فيه نص، و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم: " يأتي الشيطان أحدكم فينقر عند عجانه فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " [ذكره الشيخ بلفظ آخر لم أسمه جيدا، فذكرته بهذا اللفظ، و هو في " الصحيحة / رقم: 3026 "].
و قد نظم أحد العلماء الخلاف في هذه المسألة فقال:
الشك في الأحداث لا ينقض ----- عكسَ الذي أشياخنا قد رضوا [يعني: المالكيةَ]
و منهمُ من قال ما قلته ----- من عدم النقض فلا تومضوا
إلا لما فيه الدليل الذي ----- منهاجه للمهتدي أبيض
أحمد و النعمان و الشافعي ----- و الليث و الأوزاعي لا يُنقَض
وضوؤُنا بالشك إسحاق لا ----- يُنقض و الثوري هذا الوضُو
ناشدتكم يا إخوتي .............. ----- ................... لا تعرض [لم أتمكن من سماعه جيدا].
¥