3 – استصحاب الدليل مع احتمال المعارض، فمن بلغه دليل من الشرع لزمه أن يعمل به و لو احتمل أن يكون له معارض، و لا يجب البحث عن المعارض على الراجح.
فأي دليل صح عند عن النبي صلى الله عليه و سلم لزمك الأخذ به، لأن مدلوله راجح في حقك، و " العمل بالراجح واجب لا راجح ".
4 – استصحاب حال الإجماع في محل الخلاف، و ذلك إذا انعقد الإجماع على حكم في حال، و حصل الخلاف في حال آخر، فيُستصحب حال الإجماع لحال الخلاف، و هذا هو أضعف أنواع الاستصحاب، و لم قل به إلا قليل من الفقهاء، لأن الإجماع غنما انعقد في حال، و الخلاف حصل في حال آخر مناف له، فلا يمكن أن يُنقل الإجماع إلى الأمر الذي لم يُجمع عليه.
ترتيب الأدلة
و أما الأدلة: فيقدم الجلي منها على الخفي، و الموجب للعلم على الموجب للظن، و النطق على القياس، و القياس الجلي على الخفي، فإن وجد في النطق ما يغير الأصل و إلا فيستصحب الحال.
عقد هذا الباب في ترتيب الأدلة، فيما يُبدأ به منها، و ما هو قطعي منها، و ما هو ظني.
فقال: " و أما الأدلة: فيقدم الجلي منها على الخفي ".
فالجلي هو: واضح الدلالة، المتفق على دلالته، فهو مقدم على الخفي الذي يختلف الناس في دلالته و معناه.
قال: " و الموجب للعلم على الموجب للظن ".
أي: القطعي منها، مقدم على الظني.
و المقصود بذلك: القطعي في الورود، فهو مقدم على الظني فيه.
و هنا أربع احتمالات:
1 – أن يأتي الدليل قطعيا في الدلالة، قطعيا في الورود، فهذا أبلغ الأدلة و أقواها.
2 - أن يأتي الدليل قطعيا في الورود – كآية من كتاب الله أو حديث متواتر –، و لكنه ظني في دلالته، أي: دلالته على المعنى المقصود: ظنية، و هذا هو الذي يليه [أي في المرتبة الثانية].
3 - أن يأتي الدليل ظنيَ الورود، قطعيا في الدلالة، كأن يكون الحديث ظنيا، و لكنه صريح في الدلالة، فهذا الذي يليه في المرتبة الثالثة.
4 - أن يأتي الدليل ظنيا في الدلالة و الورود، كأن يكون الحديث ظنيا في الورود، و مع ذلك فدلالته غير صريحة، فهذا في المرتبة الرابعة.
قال: " و النطق على القياس ".
المقصود بـ: " النطق ": النص، من كتاب أو سنة، فهو مقدم على القياس.
و مثل ذلك الإجماع، فهو مقدم على القياس.
قال: " و القياس الجلي على الخفي ".
أي: يقدم القياس الجلي على القياس الخفي.
و القياس الجلي: هو قياس الأولى، كقياس الضرب على التأفيف، فهذا مقدم على القياس الخفي.
و محل هذا عند وجود الجميع، أو عند التعارض.
فإن أردتَ أن تستدل لأمر واحد، فترتب الأدلة هكذا:
1 – الدليل من الكتاب.
2 – ثم بالدليل من السنة.
3 – ثم بالدليل من الإجماع.
و بعض الأصوليين يبدأ بالإجماع أولا، لأنه لا يُنسخ، و لأنه واضح الدلالة دائما، ثم بالدليل من الكتاب، ثم بالدليل من السنة.
4 – ثم بِجَلِيِّ القياس.
5 – ثم بخفي القياس. و هكذا.
و كذلك إذا تعارض دليلان فأقواها الذي يُؤخذ به:
- القطعي كما سبق.
- ثم النصي مقدم على القياس.
- ثم القياس الجلي مقدم على القياس الخفي.
قال: " فإن وجد في النطق ما يغير الأصل و إلا فيستصحب الحال ".
- " إن وجد في النطق " أي: في المروي من الوحي.
- " ما يغير الأصل " أي: ينقل عن البراءة الأصلية.
- " و إلا فيُستصحب الحال " أي: يؤخذ بالاستصحاب حينئذ.
و الحال: هو البراءة الأصلية.
باب شروط المفتي
و من شرط المفتي: أن يكون عالماً بالفقه أصلاً و فرعاً، خلافاً و مذهباً، و أن يكون كامل الأدلة في الاجتهاد، و عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام، من النحو و اللغة و معرفة الرجال، و تفسير الآيات الواردة في الأحكام، و الأخبار الواردة فيها.
عقد هذا الباب للإفتاء.
و الإفتاء: مصدر " أفتى ": إذا أخبر بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام.
و المفتي: هو الذي يجيب السائل، و السائل: هو المستفتي، كما قال تعالى: " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " أي: تطلبان الفتوى.
و يُقال: الفتوى، و الفتيا.
¥