و من شروط المستفتي: أن يكون من أهل التقليد، فيقلد المفتي في الفتيا.
و ليس للعالم أن يقلد، [و قيل: يقلد].
عقد هذا الباب لشروط المستفتي بعد أن بين شروط المفتي.
قال: " و من شروط المستفتي: أن يكون من أهل التقليد " فلا يمكن أن يقلد مجتهدٌ غيرَه، فالمجتهد يجب عليه أن يبذل هو الجهدَ للوصول إلى ظن بالأحكام الشرعية، و يجب عليه أن يعمل بمقتضى اجتهاده، فلا يحل له تقليد غيره.
و هذا في المجتهد المطلق، وأما المجتهد المقيد بأنواعه كلها، فيمكن أن يقلد في القواعد أو في الأصول، و يمكن أن يقلد – كذلك – في التصحيح و التضعيف بالنسبة للأدلة.
و لابد أن يقلد فيما يتعلق بالجرح و التعديل لأن ذلك مرجعه إلى الرواية.
قال: " فيقلد المفتي في الفتيا " أي: يقلد من أفتاه، و ذلك هو من تحققت فيه الشروط السابقة.
و كل مقلد فإنه يتوافر فيه جزءٌ من الاجتهاد، به يختار من يستفتيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ما من أحد إلا و له حظ من الاجتهاد، و حظ العامي من الاجتهاد هو ما يختار به من يستفتيه "، فليس أحدٌ منصوباً للفتوى بعينه، لا يُستفتى إلا هو، فإنما يجتهد المستفتي حتى يختار من يفتيه، و ذلك: اجتهاد منه.
- و تقليده، معناه: الأخذ بقول غير المعصوم من غير معرفة دليله، فإن عرف الدليل لم يكن مقلدا، و إنما يكون تابعا، إذا كان عاجزا عن استنباط الحكم من الدليل.
قال: " و ليس للعالم أن يقلد " أي: ليس لمن بلغ رتبة الاجتهاد أن يقلد غيره.
قال: " و قيل: يقلد "، هذه نسخة أثبتت هذا القول، و هو أن المجتهد له أن يقلد غيره، و ذلك لما رُوي عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم مع اجتهادهم من عدولهم عما رأوه راجحا تقليدا للأئمة كـ: عمرَ، و عثمانَ، و عليٍّ، لذلك فإن ابنَ عمرَ حين سئل عن فتيا، قال: " اذهب إلى هذا الذي تَقَلَّدَ أمر الأمة فاجعلْها في عنقك "، فالذي تولى أمر الخلافة هو الذي يفتي للناس، و بقوله يؤخذ إذا كان من أهل الاجتهاد و العلم.
التقليد
و التقليد: قبول قول القائل بلا حجة، فعلى هذا قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم يسمى تقليداً.
و منهم من قال: التقليد قبول قول القائل و أنت لا تدرى من أين قاله، فإن قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بالقياس، فيجوز أن يسمى قبول قوله: تقليداً.
عقد هذا الباب للتقليد.
و التقليد: مصدر " قلَّد الشيءَ " إذا جعل في عنقه قلادة.
و المقصود به هنا: ملازمة قول الغير، كأنه جعل في عنقه ما تحمَّله، لما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم – في سنن أبي دواد –: " من أُتي على غير ثَبَتٍ، فإنما إثمه على مفتيه ".
و التقليد هو: الأخذ بقول غير المعصوم من غير معرفة دليله.
فالأخذ بقول المعصوم مطلقا، لا يكون: تقليدا.
و الأخذ بقول غير المعصوم مع معرفة دليله لا يكون: تقليدا له، و إنما هو اتباع للدليل.
فغير المعصوم – حينئذ – مبلغ لذلك الدليل، و أنت أخذتَ بما بلغك.
- و التقليد لا يكون إلا عن جهل، و لهذا قال أبو عُبادة البحتري:
عرف العالمون فضلَك بالعلـ ــم و قال الجُهَّال بالتقليد
فالعالمون، أي: مَن كان مِن أهل العلم عرفوا فضلك بالعلم، و قال الجهال بالتقليد فقلدوهم في ذلك.
قال: " و التقليد: قبول قول القائل بلا حجة ".
- " قول القائل " أي: من كان أهلا لأَنْ يُقبلَ قولُه.
- " بلا حجة " أي ك من غير معرفة الدليل.
قال: " فعلى هذا قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم يسمى تقليداً "، و هذا غير صحيح، فقد ذكرنا أن التقليد لا يكون إلا بأخذ قول غير المعصوم من غير معرفة دليله.
قال: " و منهم من قال: التقليد قبول قول القائل و أنت لا تدرى من أين قاله "، أي: لا تدري هل له فيه حجة أم لا.
قال: " فإن قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بالقياس، فيجوز أن يسمى قبول قوله: تقليداً ".
النبي صلى الله عليه و سلم اختُلِفَ في حكم اجتهاده:
1 – فقيل: لا يجوز له الاجتهاد، لأنه يأتيه الوحي من عند الله، و الوحي: قطعي، و الاجتهاد: ظني، واستبدالُ الاجتهادِ الظني بالوحي القطعي من استبدال الأدنى بالذي هو خير.
¥