2 – و قيل: بل يجب عليه الاجتهاد، لقول الله تعالى: " لتبين للناس ما نزل إليهم " و لقوله تعالى: " لتحكم بين الناس بما أراك الله " و لأنه صلى الله عليه و سلم اجتهد في أمور أُقِرَّ عليها بالوحي، و في أمور لم يُقّرَّ عليها بالوحي.
و الأمور التي لم يُقَرَّ عليها في الاجتهاد، منها:
- فداء أسرى بدر، فقد قال الله في ذلك: " ما كان لنبيء أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة و الله عزيز حكيم ".
- و ما حصل له مع ابن أم مكتوم، عندما أتاه و في مجلسه عليةُ القوم من [ ....... – كلمة غير واضحة] قريش، فقال الله تعالى: " عبس و تولى أن جاءه الأعمى و ما يدريك لعله يزكى ".
- و مثل ذلك اجتهاده في معذرة المنافقين حين أقسموا له في رجوعه من تبوك، فعاتبه الله في ذلك بقوله: " عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا و تعلم الكاذبين ".
- و كذلك تحريمه لأمته ماريةَ أمِّ إبراهيم لإرضاء أمهات المؤمنين، و بالأخص لإرضاء حفصة، أنزل الله فيه: " يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك و الله غفور رحيم ".
- و كذلك ما حصل في قصة زينب بنت جحش مع زيد بن حارثة، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم زوجها لزيد، ثم أتاه الوحي أن ذلك النكاح لن يستمر، و أن زينب زوجة النبي صلى الله عليه و سلم في الدنيا و الآخرة، فهو يعلم ذلك عن طريق الوحي، و مع ذلك فكان زيد يأتيه يشكو إليه، و تأتي زينب فتشكو، فيقول لزيد: " أمسك عليك زوجك و اتق الله "، " و تخفي في نفسك ما الله مبديه " و هو ما أوحاه الله إليه من أنها ستكون زوجتَه في الدنيا و الآخرة، فقال الله في ذلك هذه الآيات من سورة الأحزاب.
و قد اجتهد النبي صلى الله عليه و سلم في أمور الدنيا:
- كاجتهاده يوم بدر في النزول على البِير التي تليه، و لذلك قال له الحباب بن المنذر: " يا رسول الله، أرأيت منزلك هذا، أهو الرأي و الحرب و المكيدة، أم وحي أُنزل إليك؟ "، قال: " بل هو الحرب و الرأي و المكيدة "، فقال: " ليس هذا بمنزل "، و أمره أن ينزل على آخر بِيرٍ، مما يلي العدو، و أن يُغَوِّرَ الآبار الأخرى، ففعل.
- و منها: نهيه عن تأبير النخل، و ذكره أنه لا يغير شيئا، فقال: " أنتم أعلم بشؤون دنياكم ".
فالراجح إذا: حصول ُ الاجتهاد منه صلى الله عليه و سلم، لكنه لا يُقرُّ على الخطأ قطعا، بل لابد أن يأتيه الوحي بعد اجتهاده، و اجتهاده: رفعٌ لدرجته، و زيادة لأجره، لكن مع ذلك: الأخذ بقوله حتى لو كان من اجتهاده لا يُسمى تقليدا لأنه معصوم لا يمكن أن يُقرَّ على الخطأ.
باب الاجتهاد
و أما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض.
فالمجتهد إن كان كامل الآلة في الاجتهاد، فإن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران، و إن اجتهد فيها و أخطأ فله أجر واحد.
و منهم من قال: كل مجتهد في الفروع مصيب.
و لا يجوز أن يقال: كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب؛ لأن ذلك يؤدى إلى تصويب أهل الضلالة من النصارى و المجوس و الكفار و الملحدين.
و دليل من قال: ليس كل مجتهد في الفروع مصيباً، قوله صلى الله عليه وسلم: ? من اجتهد و أصاب له أجران، و من اجتهد و أخطأ له أجر واحد?، و وجه الدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطَّأ المجتهد تارة و صوبه أخرى.
قال: " و أما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض ".
الاجتهاد: مصدر " اجتهد " بمعنى: بذل جهده.
و الْجُهد: هو الطاقة و الوُسع، و أما الْجَهد – بالفتح –: فهو المشقة.
و فعل الأول: جَهِدَ في الأمر: إذا بذل فيه طاقته، و أما " جَهَدَهُ " فمعناه: كَلَّفَهُ، و منه قول النبي صلى الله عليه و سلم: " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جَهَدَهَا فقد وجب الغسل ".
و جَهِدَ فلان في الأمر، يجهَدُ فيه: إذا بذل فيه قُصَارى طاقته.
و الاجتهاد في الاصطلاح، عرفه بقوله: " فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض ".
أي: بذل الفقيه وُسعه في الوصول إلى معرفة حكم شرعي من دليله.
و جمهور الأصوليين يعرفونه بأنه: " بذل الفقيه وسعه في تحصيل ظن الأحكام من أدلتها بحيث يرى من نفسه نهاية طاقته " أي: أنه لا يستطيع أن يزيد على ذلك.
¥