وأما مسألة الأسلوب، فلا يصح أن يجعل دليلا لإثبات صحة النقل لابن تيمية، فإن من يريد تقويل رجل كابن تيمية كلاما ما فإنه ليس من الغباء بحيث أنه يأتي بما يتنافى مع طريقة ابن تيمية رحمه الله تعالى في الكلام والخطاب، بل الكاذب في الحديث النبوي لا يأتي بما يتنافى مع الأصول والقواعد العامة للشريعة حتى يرد بداهة ولو كان إسناده مالك عن نافع عن ابن عمر، لا، ليس هذا بالمناط الصالح لاعتبار أن الكلام يصح لابن تيمية أو لا يصح، وكلام الشيخيين ابن عثيمين والبراك لا يعدو أن يكون استئناسا فقط.
وكذلك قضية أن كل مصنفات ابن تيمية رحمه الله تعالى لم تصلنا فهذا قول صحيح، لكن المسائل الكبرى والتي كان بينه وبين أهل البدع العقدية والمنهجية فيها مناظرات وسجال لا أظن أن فيها ما لم نطلع عليه وخصوصا مسألة ضخمة كالمجاز، مع ما في تقريرها على منهج ابن تيمية من الكسر لمذهب المؤولة عموما.
وعليه فإني أقول:
أن هذا نقل غريب عن شيخ الإسلام رضي الله عنه وأظنه لا يصح عنه وذلك لأمور:
الأول: أن المشهور المستفيض عن ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه لا يقول بالمجاز إلا بالمعنى الذي وضحه ونقله عن أهل اللغة وأحمد أنه من مجاز اللغة أي من استعمالاتها، أما المجاز بالمعنى الكلامي الخلفي فلا يقول به على الإطلاق.
الثاني: لم نر أحدا ممن رد على ابن تيمية رحمه الله تعالى أو استهجن هذا القول له، أورد هذا الكلام الذي قاله القاسمي رحمه الله تعالى، ولو كان ثمة لاحتجوا به ولو كعلامة على اضطرابه في مذهبه مع محبتهم لانتقاصه وبيان ضعفه العلمي والمنهجي في القديم والحديث.
الثالث: أن تلميذه وأثيره وخريجه ابن القيم لم يذكر هذا عنه، وقد كان حريصا على نقل تراث شيخ الإسلام ونشره.
الرابع: أن ابن القيم رحمه الله تعالى قد جعل القول بالمجاز بالمعنى الخلفي الكلامي طاغوتا من طواغيت الجهمية والمعطلة وشد عليه شدا عنيفا كما هو معروف في كتابه الصواعق المرسلة فلو كان لشيخه قول مثل هذا الذي حكاه القاسمي ألا يذكره أو يشير إليه مجرد إشارة.
الخامس: لم يورد أحد عن ابن تيمية رحمه الله تعالى اختلاف في المسألة، سواء من الموافق أو المخالف.
السادس: النفي القاطع من ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه الإيمان والذي تفضل أخونا في الله تعالى بالغيب رمضان أبو مالك بنقله يتناقض مع ما جاء في نقل القاسمي في قوله: ولم يوجد في شيء من كلامنا وكلام أحد منا أنا لا نقول بالمجاز والتأويل، والله عند لسان كل قائل.
السابع: أن ابن تيمية رحمه الله تعالى يتميز عن كثير من علماء عصره ومن جاء بعده أنه متوحد القول في مسائل الإعتقاد من أول حياته إلى آخرها، ولم ير له رجوعا عن مسألة حررها تتصل بالعقيدة سواء أصالة أو بالتبع، وهذا من أكبر ما يميز هذا الرجل رحمه الله تعالى ورضي عنه، فلو كان عنده هذا التردد في المسألة أو أن له قولان لطارت به الركبان.
الثامن: ليس مجرد ورود الكلام عن إمام ما ولو في مخطوط أنه يصح إليه، بل لو جاءت مخطوطة فيها إثبات ما حكاه القاسمي عن ابن تيمية رحمه الله تعالى لما صح عندي الأخذ بما فيها لأول وهلة حتى تبحث وينظر فيها ومن كاتبها وناسخها وزمنها ألخ ما يعرفه أهل التخصص بالمخطوطات وأن منها مزيف معمول منحول على بعض الأئمة الكبار، وإنما ذلك لما في هذا النقل من المضادة التامة لما هو معروف مشهور عن ابن تيمية رحمه الله تعالى.
والظن والله اعلم أن القاسمي رحمه الله تعالى سبقه قلمه فأخطأ في النقل ونسبه إلى ابن تيمية وليس كذلك، بل إن المتدبر للنص ليلمح أن المتكلم وإن كان على اعتقاد أهل السنة والجماعة أهل الحديث الأبرار في مسالة الصفات غير أنه أراد أن ينفي كونه موافقا لابن تيمية في قوله بالمجاز، وأن قوله بعدم جواز تأويل الصفات ليس مبنيا على مذهبه في المجاز، والله تعالى أعلم.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[02 - 03 - 06, 01:10 م]ـ
جزاكم الله خيرا
أخي الفاضل الشيخ الحنبلي السلفي وفقه الله
أنا لم أنف السجع من كلام شيخ الإسلام مطلقا، وإنما قلت:
هذا الأسلوب المسجوع المتكلف السجع لا تكاد تجده في كلام.
وأنا أدعو الفضلاء الذي صححوا نسبته إلى أن يأتوا بسجع مشابه لهذا في كتبه رحمه الله.
وأما السجع غير المتكلف فلا شك أنه موجود في كلامه، ومما يحضرني وأعجبني:
قوله في الرد على البكري: "كلام من لم يتصور صحيحا ولا عبر فصيحا"
وقوله "العلم: إما نقل مصدق، وإما بحث محقق"
وقوله عن الرافضة في المنهاج:" والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات".
وقوله في مناظرت الواسطية في رده على ذاك المعترض:
"لا تأدبت معي في الخطاب، ولا أصبت في الجواب".
ولو قال قائل: إنه لا يوجد أحد من العلماء عري كلامه عن السجع = لم يبعد.
وفي نظر أخيك أن هذا السجع متكلف، وهو المنفي لا غير، وإن كان تقديركم فيه غير ذلك = فالخلاف لفظي.
وفقكم الله.
¥