وإليكم الموضوع بعد اكتماله نسبيا،
دلالة الأمر والنهي في مسائل الآداب والإرشاد?
?
الحمد لله أحق الحمد وأوفاه والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن علماء الأصول يذكرون لصيغة الأمر أوجها كثيرة، أوصلها الآمدي في الإحكام 2/ 9 إلى خمسة عشر وجها، وأوصلها المحلي في شرحه لجمع الجوامع إلى ستة وعشرين وجها، إلا أن الملاحظ أن بعضها قد يدخل في غيره، ولذا قال الغزالي في المستصفى 1/ 419: وهذه الأوجه عدها الأصوليون شغفا منهم بالتكثير وبعضها كالمتداخل.
فمن تلك الأوجه التي يترتب عليها خلاف في الفروع:
1 - الوجوب، كقوله تعالى:" وأقيموا الصلاة" البقرة:83.
2 - الندب، ومثل له الآمدي بقوله تعالى:" فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا" النور:33.
3 - الإرشاد، ومثل لله الآمدي بقوله تعالى:" واستشهدوا شهيدين من رجالكم .. ".
والفرق بين الندب والإرشاد هو ما ذكره الزركشي في البحر المحيط "2/ 356" “بأن المندوب مطلوب لمنافع الآخرة والإرشاد لمنافع الدنيا، والأول فيه الثواب، والثاني لا ثواب فيه”.
وبالنظر في حقيقة دلالة الأمر والنهي، نجد أن الأصوليين يذكرون أقوالا كثيرة تصل إلى خمسة عشر قولا كما في الإحكام 2/ 10 وشرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 291 وغيرهما، وأهمها قولان:
الأول: قول الجمهور وهو أن الأصل في الأمر أنه للوجوب، والأصل في النهي أنه للتحريم.
الثاني: قول كثير من المعتزلة كأبي هاشم وغيره وبعض الفقهاء أن الأمر حقيقة في الندب، والنهي حقيقة في الكراهة.
إلا أننا نجد عند تطبيق كلام أهل العلم على النصوص نجد أن كثيرا منهم يعتبرون أصلا في هذا الباب وهو: أن الأمر في مسائل الآداب للاستحباب، والنهي في مسائل الآداب للكراهة إلا بقرينة. وهو متقرر عندهم في مسائل التطهر وأبواب الآداب. ونسمعها من شيوخنا رحم الله من مات منهم وحفظ اللأحياء, فقد سمعتها من شيخنا الشيخ عبدالله ابن قعود، ونقلها عن الشيخ عبدالرزاق عفيفي، وذكرها الشيخ محمد العثيمين رحمهم الله جميعا.
وحيث أن كثيرا من علماء الأصول لم يذكروا هذه القاعدة فيما أعلم، ولعلهم تركوها لتقررها عندهم، ولذا أحببت أن أذكر من نص عليها من الأئمة، ومن طبقها دون أن ينص عليها.
وللوصول لهذا الهدف فقد طالعت شروح الأحاديث التي ظننت أنها من موارد البحث في الكتب التالية:
1 - فتح الباري لابن حجر.
2 - شرح صحيح مسلم للنووي.
3 - التمهيد لابن عبدالبر.
4 - العدة على إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، العدة للصنعاني والإحكام لابن دقيق العيد.
5 - طرح التثريب لأبي زرعة العراقي.
6 - تفسير الآيات الواردة من تفسير القرطبي والشنقيطي.
ومقصودي من هذا البحث بيان استعمال أهل العلم لهذا القاعدة وأنها متقررة عندهم وإن اختلفوا في الفروع المذكورة، فلا يفهم من إيراد نقل عن إمام في مسألة ما موافقته أو بحث المسألة فقهيا، إذ للمسائل الفقهية مواطنها، فذكرها للاستدلال للقاعدة.
وأسأل الله العون والتوفيق أنه جواد كريم.
ذكر من ذكر القاعدة بالنص:
أولا: قول الإمام الشافعي رحمه الله
يفصل الشافعي رحمه الله في مبحث له في آخر كتاب الأم 7/ 292 - 293 فيقول:
كتاب صفة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أصل النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه التحريم إما أراد به نهيا عن بعض الأمور دون بعض وإما أراد به النهي للتنزيه عن المنهي والأدب والاختيار ولا نفرق بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم إلا القدرة-كذا- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنة وقد يمكن أن يجهلها بعضهم
¥