في شرح حديث: أسرعوا بالجنازة .. " الذي رواه البخاري في الجنائز ومسلم 944، قال ابن حجر في الفتح 3/ 148: نقل بن قدامة أن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء وشذ بن حزم فقال بوجوبه. وانظر المحلى 5/ 154 والمغني 2/ 472.
مسألة: حكم السحور:
في حديث أنس مرفوعا:" تسحروا فإن في السحور بركة" قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على استحباب السحور للصائم وتعليل ذلك بأن فيه بركة.
وتعقبه الصنعاني فقال بأن البخاري ذكر أن الصارف حديث الوصال فلا يكون فيه دلالة على أن الأمر يصرف عن الوجوب بالقرائن. العدة 3/ 332.
مسألة: الأكل من الهدي والأضحية:
في قوله تعالى:"فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر" الحج:36، أمر بالأكل وهو مشروع عند الجميع، إلا أن ابن حزم طرد أصله فجعل الأكل من الهدي واجبا.
وحكى النووي الإجماع على أن الأكل من الهدي سنة، والقرينة الصارفة للأمر أنه جاء لإبطال ما عليه العرب من تحريم الأكل من الهدي.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان ج5/ص193:
" ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام "، هذا الأكل الذي أمر به هنا منها وإطعام البائس الفقير منها أمر بنحوه في خصوص البدن أيضا في قوله تعالى " والبدن جعلناها لكم من شعائر الله " إلى قوله " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " ففي الآية الأولى الأمر بالأكل من جميع بهيمة الأنعام الصادق بالبدن وبغيرها وقد بينت الآية الأخيرة أن البدن داخلة في عموم الآية الأولى ...
وفي هاتين الآيتين الكريمتين مبحثان
الأول حكم الأكل المأمور به في الآيتين هل هو الوجوب لظاهر صيغة الأمر أو الندب والاستحباب
المبحث الثاني فيما يجوز الأكل منه لصاحبه وما لا يجوز له الأكل منه ومذاهب أهل العلم في ذلك
أما المبحث الأول فجمهور أهل العلم على أن الأمر بالأكل في الآيتين للاستحباب والندب لا للوجوب والقرينة الصارفة عن الوجوب في صيغة الأمر هي ما زعموا من أن المشركين كانوا لا يأكلون هداياهم فرخص للمسلمين في ذلك.
وعليه فالمعنى فكلوا إن شئتم ولا تحرموا الأكل على أنفسكم كما يفعله المشركون وقال ابن كثير في تفسيره إن القول بوجوب الأكل غريب وعزا للأكثرين أن الأمر للاستحباب قال وهو اختيار ابن جرير في تفسيره وقال القرطبي في تفسيره فكلوا منها أمر معناه الندب عند الجمهور ويستحب للرجل أن يأكل من هديه وأضحيته وأن يتصدق بالأكثر مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل وشذت طائفة فأوجبت الأكل والإطعام بظاهر الآية ولقوله ? " فكلوا وادخروا وتصدقوا " ....
ثم قال:
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له أقوى القولين دليلا وجوب الأكل والإطعام من الهدايا والضحايا لأن الله تعالى قال " فكلوا منها " في موضعين وقد قدمنا أن الشرع واللغة دلا على أن صيغة أفعل تدل على الوجوب إلا لدليل صارف عن الوجوب وذكرنا الآيات الدالة على ذلك كقوله " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ". وأوضحنا جميع أدلة ذلك في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك منها آية الحج التي ذكرنا عندها مسائل الحج.
ومما يؤيد أن الأمر في الآية يدل على وجوب الأكل وتأكيده " أن النبي ? نحر مائة من الإبل فأمر بقطعة لحم من كل واحدة منها فأكل منها وشرب من مرقها " وهو دليل واضح على أنه أراد ألا تبقى واحدة من تلك الإبل الكثيرة إلا وقد أكل منها أو شرب من مرقها وهذا يدل على أن الأمر في قوله " فكلوا منها " ليس لمجرد الاستحباب والتخيير إذ لو كان كذلك لاكتفى بالأكل من بعضها وشرب مرقه دون بعض وكذلك الإطعام فالأظهر فيه الوجوب.
والحاصل أن المشهور عند الأصوليين أن صيغة أفعل تدل على الوجوب إلا لصارف عنه وقد أمر بالأكل من الذبائح مرتين ولم يقم دليل يجب الرجوع إليه صارف عن الوجوب وكذلك الإطعام هذا هو الظاهر بحسب الصناعة الأصولية وقد دلت عليها أدلة الوحي كما قدمنا إيضاحه وقال أبو حيان في البحر المحيط والظاهر وجوب الأكل والإطعام وقيل باستحبابهما وقيل باستحباب الأكل ووجوب الإطعام والأظهر أنه لا تحديد للقدر الذي يأكله والقدر الذي يتصدق به فيأكل ما شاء ويتصدق بما شاء وقد قال بعض أهل العلم يتصدق بالنصف ويأكل النصف واستدل لذلك بقوله تعالى " فكلوا منها وأطعموا البآئس الفقير " قال فجزأها نصفين نصف له
¥