" أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء"
فالرسول صلى الله عليه وسلم اتبع منهجا معينا لبيان حكم المسألة التي سُئل عنها 0 وهو أنه بدأ بإقرار السائل بحكم واقعة معينة عنده وهي انه يقضي الدين في الأموال للعباد عن الميتة 0 والسائل يُقر فيقول " نعم"
ثم ينطلق الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الإقرار مبينا أن الواقعة التي سُئل عنهاهي أولى بأن تأخذ نفس الحكم لأن هذه الواقع لها وصف يجعلها أولى بالحكم من وصف الواقعة المعلومة عند السائل0
وهنا نقف ونتسائل:
هل هناك احتمال ان الرسول صلى الله عليه وسلم استند إلى دليل آخر غير هذا المنهج المذكور؟
والجواب:
أن الواضح من الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقتصر في بيان الحكم على المنهج الذي ذكرناه وهو ما يتفق مع الاحتمال الذي ذكرناه في أن الاعتبار في الآية هو القياس 0 فهو قد اعتبر واقعة بواقعة أخرى معلومة
(أي اعتراضات على هذا الاستدلال سيتم الجواب عنها ان شاء الله تعالى)
ولكن قد يبقى في نفوسنا بعض الشك في ذلك ونحتاج إلى أدل أخرى تعضد ذلك وهذا ما سيتم في الخطوة القادمة
الخطوة الثالثة:
المنهج الصحيح هو أن نبحث عن فهم الصحابي الذي شاهد الواقعة وتعلم منهج الرسول صلى الله عليه وسلم منه مباشرة بدون واسطة0
إنه ابن عباس رضي الله عنه الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم- ودعاؤه مستجاب- فقال:
" اللهم فقهه في الدين" كم في صحيحي البخاري ومسلم
فيا تُرى كيف فهم ابن عباس المنهج؟
إذا نظرنا إلى الدليل الأول من آثار الصحابة المذكورة سابقا نجد أن ابن عباس يقول " وأحسب كل شيء مثل الطعام " وفي لفظ " ولا أحسب كل شيء إلا مثله"
فها هو ابن عباس يصرح بمنهجه الذي فهمه من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنه يرى أن المسكوت عنه يأخذ حكم المنطوق به لاتحادهما في الوصف الذي تعلق به الحكم ولعدم وجود فرق بينهما يوجب اختلاف حكميهما 0
فوجود نفس الوصف أو المعنى مع عدم الفارق المؤثر 00 كل ذلك يوجب اتحاد الواقعتين في الحكم في نظر ابن عباس رضي الله عنه 0
فإذا بقي في نفوسكم شك بعد ذلك أو احتمال ننتقل للخطوة الرابعة
الخطوة الرابعة:
نعود للبحث مرة أخرى في السنة 0 فنجد حديث آخر وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم هل تُفطر؟
ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟
قال " أرأيت لو مضمضت بماء وأنت صائم؟ "قلت: لا بأس. قال: "ففيم؟ "
إنه نفس المنهج الذي اتبعه الرسول عند جوابه عن قضاء الصوم والحج عن الميت
إنه منهج " أرأيت" أي أن هذه كتلك متحدين في الحكم لاتحادهما في الوصف
فالسائل عنده واقعة معلوم حكمها أنها لا تُفطر 0 فكذلك في الواقعة المسئول عنها لا تُفطر أيضا 0
إنه اعتبر حكم واقعة من واقعة أخرى متحدة معها في الوصف أو في المعنى 0 وهذا الوصف هو أن مقدمة الشيء لا تأخذ حكم الشيء نفسه0 أي أن المضمضة مقدمة للابتلاع ولكنها لا تأخذ حكمه إذا كانت بدون ابتلاع فكذلك القبلة مقدمة لإنزال المني ولكنها لا تأخذ حكمه إذا كانت بدون إنزال0
من الواضح أن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان الأحكام في الواقعتين هو منهج واحد 0 وهو اعتبار حكم واقعة من واقعة أخرى متحدة معها في الوصف مع عدم وجود فارق يوجب اختلاف الحكمين 0 فوجود نفس الوصف أو المعنى في الواقعتين مع عدم الفارق المؤثر 00 كل ذلك يوجب اتحاد الواقعتين في الحكم0
والسؤال الآن:
هل بدأ يغلب على ظنكم كون هذا المنهج مسلكا من مسالك الشرع لبيان حكم الله تعالى في الواقعة 0 فإن كان ما زال هناك ذرة شك في نفوسكم فتعالوا نبحث عن فهم صاحب هذه الواقعة وهو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
الخطوة الخامسة:
الدليل الرابع المذكور في آثار الصحابة نرى ان ما فهمناه من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان الأحكام في الحديثين المذكورين هو نفس ما فهمه عمر بن الخطاب حيث قال في رسالته لأبي موسى الأشعري:
" اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عند ذلك ... "
وإسناده صحيح
(أي اعتراضات على ذلك الاستدلال سيتم بفضل الله تعالى الجواب عنها)
هل مازال في قلوبكم ذرة شك أم بدأ يقوى في ظنكم صحة هذا المنهج الذي فهمه ابن عباس وعمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم
¥