1 - كما هو معلوم أن المجتهد يجب عليه العمل بخبر الواحد الذي بلغه, مع علمه بوجود احتمال الوهم أو الخطأ على الرواي الثقة كما صرح بذلك الإمام ابن حزم وغيره من العلماء , فلم يقل أحد من العلماء أن الراوي الثقة معصوم , (كما باللفظ الشاذ الذي يخالف فيه الثقة من هم أوثق منه صفة أو عددا)
إلا أن الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه بأن يأتي طريق آخر أو طرق أخرى تبين الصواب ,
2 - ونحن جميعا نتفق على أن المجتهد قد لا تبلغه هذه الطرق الأخرى
وكذلك نتفق جميعا على أن المجتهد يجب عليه قطعا العمل بما بلغه (على الرغم من احتمال الخطأ والوهم مع عدم علمه بالطرق الأخرى التي فيها الصواب)
السؤال الآن الذي أسأله لك:
هل يستطيع هذا المجتهد أن يُقسم ويحلف أن الذي بلغه هو الحق الذي لا حق غيره عند الله تعالى؟
إنه قطعا لا يستطيع أن يُقسم , لأنه يعلم أن هناك احتمال خطأ أو وهم الثقة , وأنه لم يبلغه الصواب , وإنما علمه غيره من باب حفظ الدين , لأن الله تعالى لم يتكفل بحفظ دينه لكل واحد من العلماء
وإنما الحفظ يكون بمجموع العلماء
فالدليل الذي غاب عن مجتهد:لابد حتما أن يكون قد عرفه غيره
هنا أين القطع والظن؟
المجتهد يقطع بوجوب العمل بخبر الثقة الذي بلغه
المجتهد لا يقطع بأن هذا الخبر موافق لحكم الله في الواقع , لوجود الإحتمال المذكور
الخلاصة:
أن القطع إنما هو في وجوب العمل بخبر الثقة , وليس في مطابقة خبر الثقة لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فعلا , للإحتمال المذكور
فالإحتمال المذكور ينفي تحقق القطع بالنسبة للمجتهد الواحد الذي لم تبلغه جميع طرق الحديث
فإذا انتفى القطع؛ فلم يتبق إلا غالب الظن ,لأن الغالب على الثقة أنه يؤدي كما سمع
ولزيادة البيان أقول: لو أنه لا يجوز العمل في الشرع إلا بما يقطع المجتهد بمطابقته لما صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم = لتوقف كل مجتهد عن العمل بما بلغه من خبر الآحاد للإحتمال المذكور , ولوجب عليه التوقف إلى حين أن تجتمع عنده كل الأسانيد والطرق لهذا الخبر لكي يستطيع القطع بعدم خطا أو وهم الراوي الثقة ,
وتوقفه هذا مخالف لإجماع العلماء ويؤدي إلى تعطيل أحكام الشرع
الخلاصة:
هذا هو البرهان العقلي الضروري الذي يدل على بطلان ما فهمه الظان من قوله تعالى:
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
وقد توهم متوهم أن الإستدلال بالدلالة الظاهرة (الغير قطعية) للنصوص لن يرفع النزاع والخلاف
وجواب ذلك سهل:
وهو أن الخلاف موجود أيضا فيما يراه هو قطعيا
فالخلاف بين أئمة الحديث واقع في تحقق شرط العدالة في راو معين (تحقيق المناط)
وواقع أيضا في تحقق شرط كونه ثقة
ومع ذلك فكل منهم يقطع بأنه يجب عليه العمل بما غلب على ظنه من حال الراوي
فيبني على ذلك رفض أو قبول روايته
ثم يبني على ذلك إثبات أو نفي حكم شرعي دلت عليه هذه الرواية
ولذلك تم وضع قواعد لكي يتم بقدر الإمكان ضبط هذا الخلاف في الجرح والتعديل مثلا:
وهو قاعدة: " المُثبت مقدم على النافي"
وقاعدة: " الجرح المفسر مُقدم على التعديل"
وأنه لا يجوز صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى بعيد يحتمله؛ إلا إذا دل على ذلك دليل شرعي صحيح
وغير ذلك من القواعد المستخدمة في الترجيح في الفقه أيضا عند تعارض الأدلة في نظر المجتهد
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
ثالثا: القطع والظن في دلالة اللفظ:
كما هو واضح أن حفظ الدين إنما هو بالنسبة إلى كل المسلمين وليس إلى آحادهم 0 لأن الله تعالى لم يتكفل بوصول كل الأحاديث الثابتة إلى كل مسلم بمفرده 0 وإنما تكفل بحفظها من حيث الجملة 0 ثم قد يغيب عن أحد المجتهدين العلم ببعضها 0 وهذا أمر واقع ولا يحتاج إلى برهان
وأذكر هنا مثالين للتوضيح:
المثال الأول:
نعلم جميعا أنه قد يصل إلى المجتهد حديث فيه لفظ عام , ولا يصل إلى علمه حديث آخر مخصص لهذا العموم: وهنا سؤالان:
السؤال الأول:
في هذه الحالة ما هو الواجب فى حق هذا المجتهد؟
الجواب:
أن الواجب عليه هو العمل بالعموم وهذا هو أيضا مذهب الإمام ابن حزم
السؤال الثاني:
هل يستطيع هذا المجتهد القطع او الحلف والقسم بأن القول بالعموم هو الحق عند الله تعالى فى واقع الأمر وأنه لا يوجد له مخصص؟
¥