3 - وعلمنا أيضا بصورة قطعية أن هذا الوصف هو علة هذا الحكم الشرعي (سواء سمي هذا الوصف علة - على مذهب الجمهور - , أو سببا – على مذهب غير الجمهور , فالتسمية لا تهمني هنا , المهم المعنى وهو: أن الله تعالى حكم بكذا لوجود وصف كذا)
هنا فإن العالم المجتهد يتيقن و يقطع بأن الحادثة الثانية حكمها الشرعي عند الله تعالى هو حكم الحادثة الأولى , أي أنه قاس الثانية على الأولى
فأصبح عندنا هنا أربعة أركان للقياس:
الركن الأول: المقيس عليه
الركن الثاني: المقيس
الركن الثالث: الوصف المشترك بينهما
الركن الرابع: الحكم الشرعي للحادثة الأولى
ولبيان ذلك أضرب مثالا افتراضيا (وما سأفترضه هنا لا حرج فيه عند العلماء لإفهام المتعلم):
لنفترض جدلا عدم وجود نص (كل مسكر خمر , أو: الخمر ما خامر العقل (
ولنفترض وجود نص بلفظ " حرمتُ الخمر لأنها مُسكرة "
ثم وجدنا مشروبا آخر - غير الخمر- , وليكن اسمه " البيرة"
فالنص المذكور " حرمتُ الخمر لأنها مُسكرة" لم ينص على حكم البيرة
فإذا ثبت قطعا أن البيرة مُسكرة
فهنا يقول العالم المجتهد: إن حكم البيرة قطعا هو التحريم قياسا على الخمر , لإشتراكهما في وصف الإسكار , وهو الوصف الذي ثبت أن الخمر حُرمت لأجله
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
4 - وبيانه من قول ابن عباس رضي الله عنه المتقدم:
أنه علم ان المعنى الموجود في الطعام: موجود أيضا في كل مبيع
وبذلك فلا يوجد بينهما فرق مؤثر يوجب اختلاف حكميهما
فقال:
" وأحسب كل شيء مثل الطعام "
وهذا المنهج سار عليه جمع من الصحابة من غير نكير منهم كما تم تفصيله هنا بهذا البحث @@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
5 - وأما ما ورد من روايات عن ابن مسعود رضي الله عنه في ذم القياس
فإما ان سندها ضعيف لم يثبت
وإما أنها صريحة في نفي القياس في واقعة قد جاء نص شرعي بحكمها
وهذا كقوله " يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام .... "
فما معنى تحليل الحرام؟
معناه قطعا أن هناك محرم , أي جاء نص شرعي بتحريمه , فالتحريم لا يثبت إلا بنص , ثم يأتي قوم يقيسون برأيهم فيحلون ما ثبت تحريمه بالنص
وكذلك رواية:" فينهدم الإسلام "
فما معنى " ينهدم الإسلام"؟
الإسلام إنما ينهدم إذا انتُهكت المحرمات , وضُيعت الواجبات
والمحرمات والواجبات إنما ثبتت بنصوص شرعية
ولا يجوز أبدا القياس في واقعة عُلم حكمها بنص شرعي
هذا كله بفرض صحة هذه الأسانيد (وهذا ما لم يُبينه لنا أحد بالتفصيل الذي طلبناه , وهو اتصال السند وأحوال الرواة راو راو , تماما مثلما تم تنفيذه بمقال:
" الإقناع بحجية القيايس " (وسيُذكر لاحقا ما يؤكد صحة سند أثر عمر رضي الله عنه ان شاء الله تعالى)
وقد جاء عن ابن مسعود نفسه – رضي الله عنه – أنه اجتهد برأيه (في ضوء قواعد الشرع وأصوله) فيما لم يبلغه فيه نص , كما في واقعة بروع بنت واشق
ولم يُنكر عليه أحد من الصحابة
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
6 - فلابد من الإجتهاد لوجود وقائع لم يأت نص شرعي مباشر يبين حكمها
وهذا قد أجمع عليه الصحابة
فقد روى الإمام البخاري:
(عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا)
ولفظ الإمام مسلم في صحيحه:
(وَثَلَاثٌ أَيُّهَا النَّاسُ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا)
قلتُ (أبو إسلام):
فهذا كان على المنبر , أمام الصحابة , ولم يُنكر أحد منهم على عمر قوله هذا , فهو إجماع منهم
على أن هناك مسائل تحتاج إلى حكم شرعي , ولم يأت نص صريح بحكمها مباشرة
فاجتهد الصحابة رضي الله عنهم في ضوء القواعد التي علمهم إياها الرسول صلى الله عليه وسلم
¥