تنبيهات: الأول: ترك الناظم متمم المقصد التحسيني وهو كآداب الإحداث أي قضاء حاجة البول والغائط، فإنها شرعت لتكميل المقصد التحسيني الذي هو الجري على مكارم الأخلاق بالاستبراء من الحدث والتحفظ منه، إذ لو لم تشرع لربما أدى ذلك إلى التلطخ بالنجاسة المفسد للمقصد التحسيني بالكلية.
وكالإنفاق أي الصدقة من الكسب الطيب أي اشتراط الطيب فيه، فإنه شرع لتكميل المقصد التحسيني الذي هو الجري على مكارم الأخلاق بالإنفاق؛ إذ لو لم يشترط لربما أدى ذلك إلى الإنفاق من الحرام، وذلك مخل بمكارم الأخلاق. وكترك إبطال النافلة بعد الدخول فيها، فإنه منع لتكميل المقصد التحسيني الذي هو الجري على مكارم الأخلاق بالتنفل؛ إذ لو لم يمنع لربما أدى إلى ترك التنفل، وذلك مخل بالمقصد التحسيني.
الثاني: قال في التنقيح: تقع أوصاف مترددة بين هذه المراتب كقطع الأيدي باليد الواحدة، فإن المقصد الذي شرع لأجله متردد بين الضروري والحاجي، فقيل إنه ضروري وهو صون الأعضاء عن القطع، وقيل إنه الحاجي وهو التوسيع على المجني عليه بزجر الجاني ومن يُعينه عن الجناية عليه، لأن الجاني يحتاج في جنايته إلى الاستعانة بالغير وقد يتعذر.
الثالث: قال في الضياء اللامع: قد يكون الوصف الواحد ضرورياً وحاجياً وتحسينياً لكن بحسب إضافات، كالنفقة فإنها على النفس ضرورية وعلى الزوجة حاجية وعلى القرباء تحسينية. وكالعدالة فإنها في الشاهد ضرورية صوناً للنفوس والأموال، وحاجية في الإمام، لأن الإمامة شفاعة والحاجة داعية إلى إصلاح حال الشفيع، وتحسينية في ولي النكاح لأنه قد يزعه طبعه عن الوقوع في العار والسعي في الاضطرار، وقيل حاجية على الخلاف، ولا تشترط في الإقرار اتفاقاً لقوة الوازع الطبعي.
ودفع المشقة عن النفوس مصلحة ولو أفضت إلى مخالفة القواعد، وهي تكون ضرورية مؤثرة في الترخيص في كل شيء كالبلد الذي يتعذر فيه العدول، قال ابن أبي زيد في النوادر: تقبل الشهادة أمثلهم حالا لأنها ضرورة، وكذلك يلزم في القضاة وولاة الأمور، وتكون حاجية ولذلك لم تشترط العدالة في الأوصياء دفعاً للمشقة الناشئة من الحيلولة بين الإنسان وبين من يريد أن يعتمد عليه، وتكون تحسينية كما في السلم والمساقات وبيع الغائب فإنها أبيحت مع الجهل في الأجرة دفعاً للمشقة عن الناس في معاشهم. وفي الصيد فإنه أبيح مع بقاء الفضلات فيه وعدم تسهيل الموت عليه دفعاً للمشقة وتوسيعاً على الناس في معاشهم.
فقد اعتبر دفع المشقة في الشرع في هذه الأمور مع مخالفتة للقواعد.
الرابع: قال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي في قواعده: كل تكملة فشرطها أن لا يبطل اعتبارها أصلها، مثاله حفظ مهجة مُهم كُلِّي، وحفظ المروءات مستحسن، فحرمت النجاسة حفظاً للمروءات وإجراء لأهلها على محاسن العادة، فإن دعت الضرورة إلى إحياء المهجة بتناول النجس كان تناوله أولى. وكذلك أصل البيع ضروري، ومنع الغرر والجهالة فيه مكمل، فلو اشترط نفي الغرر جملة لانحسم باب البيع.
13ـ وكلُُّها قواعدٌ كلِّيَّهْ # مقاصدُ الشرعِ بها مَرعِيَّهْ
يعني أن هذه المقاصد الثلاثة وهي المصلحة الضرورية والحاجية والتحسينية كلها قواعد كلية، أي كل واحد منها قاعدة كلية، أي شاملة للجزئيات دفعة، أي على سبيل الاستغراق. (مقاصد الشرع) أي أوامره ونواهيه (مرعية) أي محفوظة بها أي بسبب رعي تلك القواعد، فهي العلل في أحكام الشرع كلها، لأن الحكمة في إنزال الشرع رعي مصالح العباد بجلب النفع لهم ودفع الضرّ عنهم؛ والقواعد الثلاث قد اشتملت على جميع المصالح.
14ـ وليسَ رافِعاً لكُلِّيَّاتِها # تخلُّفٌ لبعضِ جُزئيَّاتها
يعني أن تخلف بعض جزئيات هذه القواعد الثلاث عنها لا يرفع كلياتها أي لا يقدح في كونها كلية أي عامة، بل يكون لتلك الجزئية النادرة حكم الغالب من نظائرها وتبقى القاعدة على عمومها لأنها ثابتة بالوضع لا بالعقل، والغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي، لأن الجزئيات المختلفة لا تنتظم منها قاعدة تعارض هذه القاعدة الثابتة، ولأن الجزئية المختلفة قد يكون لها موجب إخراجها من القاعدة، ولأنها ثابتة بالوضع الاستقرائي، والقاعدة الوضعية لا يقدح فيها تخلف جزئية من جزئياتها عنها، وإنما يقدح ذلك في القواعد العقلية.
¥