مثال تخلف جزئية من جزئيات المصلحة الضرورية: تخلف الحكمة في مشروعية العقوبة والازدجار عن المعصية، لأنا نجد من يعاقب ولا يزدجر عما عوقب عليه، وذلك لا يرفع العقوبة عنه، بل يعاقب كلما جنى.
ومثال جزئية من جزئيات المصلحة الحاجية: تخلف الحكمة من مشروعية القصر في السفر وهي المشقة عن القصر، وذلك في الملك المترفه بالسفر، فإنه لا يجد مشقة في سفره، وذلك لا يرفع حكم القصر عنه.
ومثال تخلف جزئية من جزئيات المصلحة التحسينية تخلف الحكمة في مشروعية الطهارة، وهي النظافة عنها في التيمم، فإنه على خلاف النظافة، وذلك لا يرفع كونه طهارة.
15ـ وهْيَ تعبُّداتٌ اَو عاداتٌ # ثمَّ جناياتٌ معاملاتٌ
يعني أن المصالح الثلاث وهي الضرورية والحاجية والتحسينية، كل واحد منها تجري في التعبدات أي مسائل العبادة، والعادات أي مسائل العادة، والجنايات أي العقوبات، والمعاملات. وقد بينا جريانها فيها عند التكلم عليها.
16ـ وجُملةُ التعبُّداتِ يمتنِعْ # أنْ يُستنابَ في الذي منها شُرِعْ
يعني أن جملة التعبدات أي جميعها يمتنع الاستنابة فيما شرع منها أي فيما تمحض منها للشرع بأن لم تكن فيه شائبة مالية.
17ـ وفي الذي يدخلُهُ المالُ نَظَرْ # مِن جهتين فيه خُلفٌ اشتهَرْ
يعني أنه اشتهر الخلاف بين الفقهاء في الفعل التعبدي الذي يدخله المال: هل تجوز فيه الاستنابة أم لا؟؛ لأن فيه نظراً من جهتين، جهة التعبد وجهة المال، وإنما اشتهر فيه الخلاف بين الفقهاء:
18ـ إذْ صار من مجالِ الاجتهادِ # لناظرٍ كالحجِّ والجِهادِ
أي لأجل أنه صار بسبب دخول المال فيه مما يجول فيه الاجتهاد لمن نظر فيه، فمن نظر فيه من جهة التعبد منع الاستنابة فيه؛ ومن نظر فيه من جهة المالية أجازها فيه، وهو (كالحج والجهاد) والزكاة، فإن في كل من الثلاثة جهتين جهة التعبد وجهة المالية، ومذهب مالك جواز النيابة في الثلاثة.
19ـ وغيرُها يجوزُ باتِّفاقِ # نيابةٌ فيه على الإطلاقِ
يعني أن غير التعبدات من الأفعال فإنه يجوز فيه النيابة مُطلقا أي واجباً كان أو مندوباً اتفاقاً، وذلك كدفع الديون ورد المغصوب ونفقات الزوجات والأقارب وعلف الدواب ونحو ذلك.
20ـ ما لم تكن حكمتُه مقصورهْ # عادةً اَو شرعاً فلا ضرورهْ
يعني أن محل جواز النيابة في الفعل غير التعبدي ما لم تكن حكمته أي السر الذي شرع لأجله الفعل غير التعبدي مقصورة على الخطاب به عادة، أي لا تتعداه إلى غيره، فإذا ناب عنه غيره فيه تختلف الحكمة التي شرع لأجلها الفعل، أو مقصورة شرعاً عليه أي قصرها الشرع عليه، فإذا ناب عنه غيره فيه لم توجد الحكمة التي شرع لأجلها الفعل، فلا تجوز النيابة فيه ضرورة لأنه إذا ناب فيه عن المخاطب به غيره لم تحصل الحكمة التي شرع الفعل لأجلها عادة أو شرعاً.
21ـ كمثل ما للازدجارِ شرعُهُ # وكالذي لا يتعدَّى نفعُهُ
ثم أشار إلى تمثيل الفعل الذي حكمته مقصورة على المخاطب به عادة بقوله: (كمثل ما لازدجار شرعه) أي كالفعل الذي شرع لأجل الزجر أو الردع كالحدود والعقوبات، فإنها لا تجوز فيها النيابة، إذ لو ناب عن مستحق الحد أو العقوبة غيره لم تحصل الحكمة التي شرع لأجلها الحد عادة، وهي الازدجار.
(و) الفعل الذي حكمته مقصورة على المخاطب به شرعاً (كـ) الفعل (الذي لا يتعدى نفعه) المخاطب به كلاستمتاع بالزوجة والأمة فإنه لا تجوز فيه النيابة لأحد عن الزوج والسيد، إذ لو ناب عنه غيره فيه لم تحصل الحكمة التي شرع لأجلها النكاح والتسري شرعاً وهي الإعفاف والنسل.
تنبيه: قال المقري: "قاعدة: الفعل إن اشتمل وجوده على مصلحته مع قطع النظر عن فاعله صحت فيه النيابة ولم تشترط فيه النية؛ وإن لم يشتمل عليها إلا مع النظر إلى فاعله لم تصح فيه النيابة واشترطت فيه النية؛ فاشتراط النية وانتفاء صحة الاستنابة على هذا متلازمان، وكذلك عدم اشتراطها وصحة النيابة، فكل ما تصح فيه الاستنابة لا تشترط فيه النية، وكل ما تشترط فيه النية لا تصح فيه الاستنابة إلا أن يدل دليل على خلاف ذلك. فمن ثم قال النعمان لا نيابة في الحج، وقلنا إنها رخصة.
(يتبع إن شاء الله)
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[31 - 03 - 06, 02:29 ص]ـ
جزاكم الله خيرا اخي الحبيب
ـ[الشاطبي الوهراني]ــــــــ[08 - 04 - 06, 04:56 م]ـ
¥