(تابع) شرح فصول المقاصد الشرعية والتكليف والحقوق من مرتقى الوصول
22 ـ وجُلُّ أهلِ العلم يمنعُ الحِيلْ # لقلبِ حُكمٍ أو لإسقاط عَملْ
يعني أن الجلّ أي الجمهور من أهل العلم يمنع الحيل الموصلة إلى قلب حكم أو إسقاط عمل، فالأول كاحتيال البخيل في إسقاط الزكاة بإبدال الماشية قرب الحول، فإنه تجب عليه ولا ينفعه احتياله معاملة له بنقيض قصده لأنه فاسد. والثاني كاحتيال الغاصب في وطء الجارية التي غصبها بأن أخفاها وزعم موتها ليغرم قيمتها لسيدها الذي غصبت منه، فإنه لا تنفعه حيلته بل تؤخذ منه الجارية، وترد لسيدها، ويأخذ هو منه القيمة التي دفع له، وكاحتيال من أراد وطء امرأة بنكاح فأقام بينة زور عند القاضي أنها زوجته، فلا يحل له وطؤها بذلك ولا ينفعه احتياله.
ومحل منع الاحتيال المذكور:
23 ـ ما لم يكُ الشَّرعُ يُراعيهِ فذا # فيه الجوازُ باتِّفاقٍ يُحتذى
أي فإذا راعاه الشرع أي أذن فيه، (فذا) أي فهذا الاحتيال الذي أذن فيه الشرع يحتذى أي يتبع فيه الجواز اتفاقاً، وذلك:
24 ـ كمثلِ ما روعيَ فيمن يُكرهُ # فاختارَ أن يفعلَ شيئاً يُكرهُ
أي كمثل مراعاة الاحتيال فيمن يكره أي يقهر بغصب ماله أو على بيعه أو هبته (فاحتال أن يفعل شيئاً يكره) أي فاحتال في دفع الإكراه عنه بفعل شيء يكره أي يمنع ظاهراً لا باطناً، كما إذا أودع له الغاصب لماله دنانير أو دراهم فأراد جحدها وأمن فتنة ورذيلة تنسب إليه؛ وكما إذا استرعي المكره على البيع أو الهبة بأن أشهد بينة سر على أنه غير راض بالبيع أو الهبة، فإن هذا الاحتيال ينفع صاحبه لأنه جائز اتفاقاً.
25 ـ أو يكنِ الشَّرعُ لهُ مُطَّرِحا # لم يعتبِره حيلةً إذْ وضحا
أي ومحل منع الاحتيال عند الجمهور ما لم يكن الشرع مطرحاً له أي لا يعتبره ولا يعده احتيالاً، إذ وضح أي لأجل أنه ظاهر، فقوله (لم يعتبره حيلة) تفسير لقوله مطرحاً، فإن الاحتيال حينئذ يكون جائزاً، وذلك:
26 ـ كمنْ لهُ بُرٌّ رفيعُ العَيْنِ # فباعَ مُدًّا واشْترى مُدَّيْنِ
وذلك (كـ) احتيال (من له بر) أي قمح (رفيع العين) أي جيد العين، فأراد أن يبيع مدًّا منه بمدين من قمح رديء واحتال لذلك (فباع مُدًا) منه بدراهم (واشترى) بتلك الدراهم (مدين) من ذلك القمح الرديء، فتحيل إلى التفاضل في الجنس الواحد حيلة شرعية أي لم يعتبرها الشرع حيلة بل أجازها.
27 ـ ومنْ أجاز فأرى اجتهادَهْ # أدَّى لذا والخُلفُ في شهادهْ
يعني من أجاز الحيل مُطلقاً وهو أبو حنيفة، فأرى اجتهاده أداه إلى ذلك بحسب ما ظهر له من أدلة الشريعة، وغايته أن يكون مخطئاً في اجتهاده وله أجر.
(والخلف) بين أبي حنيفة والجمهور كائن (في شهاده) أي بسبب شهادة، فأبو حنيفة شاهد جواز بعض الحيل في الشريعة فقاس عليها سائر الحيل، والجمهور شاهدوا الممنوع من الحيل والجائز منها في الشرع ففصلوا فيها التفصيل الذي ذكر الناظم.
28 ـ ولا يُقالُ إنَّهُ تعمَّدا # خلافَ قَصدِ الشَّرعِ فيما اعتمدا
أي ولا يجوز أن يقال أن أبا حنيفة تعمد فيما اعتمد من جواز الحيل مطلقاً مخالفة ما قصده الشرع لأنه إمام هدي اتفاقاً.
29 ـ وواجِبٌ في مُشكَلاتِ الحُكمِ # تحسينُنا الظنَّ بأهلِ العلمِ
يعني أنه يجب علينا إذا أشكل علينا حكم منسوب لأحد من أهل العلم المقتدى بهم أن نحسن ظننا بهم فنقول لعله وجد له دليلا لم نطلع عليه، لأن العلماء مأمونون على الشريعة فلا ينقلون فيها إلا نقلاً صحيحاً، ولا يجتهدون فيها بالهوى بل بحسب ما يظهر لهم من شعاع نورها.
فصل في التكليف
(يتبع إن شاء الله)
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[10 - 04 - 06, 03:41 ص]ـ
جزاك الله كل خير ...
ـ[صخر]ــــــــ[10 - 04 - 06, 04:04 ص]ـ
أكرمك الكريم
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[16 - 01 - 07, 02:29 ص]ـ
طال انتظارنا بكم
و ازداد اشتياقنا لكم
فعجل بارك الله فيك
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 01 - 07, 05:48 م]ـ
واصل يا وهراني
ـ[الشاطبي الوهراني]ــــــــ[16 - 02 - 07, 08:37 م]ـ
السلام عليكم؛؛؛
سأواصل ـ إن شاء الله ـ نقل المقتطف المذكور أعلاه من المنظومة القيمة "مرتقى الوصول" لأبي بكر بن عاصم الأندلسي (ت829هـ)، وشرحها للولاتي الشنقيطي (ت1912م) في الأيام القريبة،
المقتطف المذكور حسب معرفتي أفضل وأقرب مدخل لأصول الفقه والتشريع ...
وللانقطاع أسبابه، منها ما بدا لي من عدم التجاوب، وإن كان هذا نزعة في التعليم استفدتها من مشايخي الشناقطة أنهم لا يوغلون إلا بقدر الاستعداد والإلحاح من المقابل، والله أعلم بالصواب.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[17 - 02 - 07, 02:55 م]ـ
الله أكبر
والله قلقت عليك يا أخي
الحمد لله على السلامة
هل أنت بخير؟
أعانك الله
ـ[الشاطبي الوهراني]ــــــــ[17 - 02 - 07, 10:43 م]ـ
الله أكبر
والله قلقت عليك يا أخي
الحمد لله على السلامة
هل أنت بخير؟
أعانك الله
بارك الله فيك أخي الكريم،
حبل العلم لا ينقطع إن شاء الله رغم الفترات، وخاصة مع أمثالكم، ممن يقوون العزائم ويعيدون الشِّرَّة ...
شكرًا لكم.
¥