والمصالح المستجلبة شرعاً والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}.
وأما التعليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة فأكثر من أن يؤتى على آخره كقوله تعالى بعد آية الوضوء {ما يريد الله أن يجعل عليكم} إلى قوله {ليتم نعمته عليكم} وقوله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} وقوله {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} وقوله {ولكم في القصاص حياة}.
38 ـ وفي المفاسِدِ معَ المصالحِ - دفعاً وجلباً ميلُهُ للرَّاجِحِ
يعني أن ميل الشرع كائن إلى الراجح من درء المفسدة وجلب المصلحة إذا تعارضا، كما إذا دار الأمر بين إحياء النفس وإتلاف المال عليها، أو إتلافها وإبقاء المال، فإن إحياء النفس أولى لأنه أرجح من إبقاء المال، فيجب شرعاً إتلاف المال لإحيائها. وكما إذا عارض إحياءها إماتة الدين، فإن إحياء الدين أولى وإن أدى إلى إماتة نفوس كثيرة] و [كما في المحارب فإن إحياء النفوس الكثيرة يكون أولى.
39 ـ ومن كلا الضدَّين ما لا يُعتبَرْ - لكونِهِ في عكسِه قدِ انغمَرْ
يعني أن من الضدين أي المصلحة والمفسدة ما لايُعتبر شرعاً لكونه مغموراً في ضده أي غالباً عليه ضده.
مثال المفسدة في المصلحة أي الغالبة عليها المصلحة: مفسدة عصر الخمر من العنب فإنها ملغاة لا تعتبر شرعاً لأن المصلحة الناشئة عن غرس العنب أكثر وأعظم منها، فيجوز غرس العنب إجماعاً. والمفسدة الناشئة من فداء الأسرى بالمال من أيدي العدو وهي دفع المال لهم لينتفعوا به، وهو محرم عليهم بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة، وهذه المفسدة ملغاة لأنها مغمورة في المصلحة الناشئة عن فدائهم وهي تخليصهم من أيدي الكفار.
ومثال المصلحة المغمورة في المفسدة: مصلحة الاستقاء من الآبار المحفورة في أزقة المسلمين فإنها ملغاة لا تعتبر شرعاً لأنها مغمورة في المفسدة الناشئة عن حفرها، وهي إهلاك المارين بالتردي فيها، فلذا حرم حفرها. ومصلحة التلذذ والتفكه بشرب الخمر فإنها مغمورة في المفسدة الناشئة عن شربه وهي إفساد العقل الذي يجب حفظه إجماعاً، فلذا حرم شربه ولم يلتفت إلى المصلحة التي فيه.
40 ـ وما له تعلُّقٌ بالأُخرى - فَهْوَ بتقديمٍ لديه أَحْرَى
يعني أن ما كان من المصلحة والمفسدة المتعارضين متعلقاً بالآخرة فإنه أحرى أي أحق بالتقديم عند الله على المتعلق منهما بالدنيا لأن الحذر بحسب الغرر والآخرة أهم من الدنيا شرعاً وعقلاً وعادة.
فصل في شروط التكليف
(يتبع إن شاء الله)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[22 - 02 - 07, 11:54 ص]ـ
واصل جزاك الله خيرا
ـ[الشاطبي الوهراني]ــــــــ[01 - 03 - 07, 10:33 م]ـ
فصل في شروط التكليف
41 ـ واشتُرِطَ البلوغُ للتكليفِ - كالعقلِ والإسلامِ والتعريفِ
يعني أنه يشترط في التكليف أي تعلق خطاب الله أي أمره ونهيه بالمكلف شروط؛
أولها: البلوغ بالاحتلام أو الإنبات أو ثمانية عشر حولاً أو بالحيض أو الحمل، فلا تكليف يتعلق بالصبي إجماعاً.
وثانيها: العقل المُميِّز بين الخطأ والصواب، فلا تكليف يتعلق بالمجنون والسكران والمغمى عليه.
ثالثها: الإسلام فلا يتعلق بالكافر الخطاب بالفروع على أحد القولين المشهورين، وأما الخطاب بالأصول فإنه متعلق بالكافر إجماعاً.
رابعها: التعريف أي بلوغ الدعوة، فلا خطاب يتعلق بأهل الفترة، أما بالفروع فباتفاق، وأما بالأصول فعلى مذهب الأشاعرة من أهل الأصول والمتكلمين بناء على أن الإيمان لا يجب إلا بعد البعثة بدليل قوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} أي ولا مثيبين. وقيل إنهم مكلفون بالأصول كالإيمان وسائر الكليات الست، بناء على أن الإيمان يجب بمجرد العقل، واعتمده النووي في شرح مسلم لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "إن الذين مضوا في الجاهلية في النار". وحكى القرافي الإجماع على تعذيب موتى الجاهلية في النار على كفرهم، ولولا التكليف لما عذبوا.
42 ـ والذِّهنُ أن يحضُرَ وقتَ الفرضِ - وعدمُ الإكراه عند البعضِ
¥