يعني أن حضور ذهن المكلف عند وقت تعلق الفرض به الموقت له شرعاً شرط في توجه التكليف إليه، فلا تكليف يتعلق بالناسي والغافل والنائم وقت الفرض؛ وهذا بناء على أن النوم والنسيان والغفلة مانعة من الوجوب، وقيل إنها مانعة من الأداء فقط، وهو الصحيح، وعليه فتكون شرط أداء فقط لا شرط وجوب، وهذا هو الشرط الخامس في التكليف.
والسادس: عدم الإكراه، فإنه شرط في توجه التكليف عند بعض العلماء بناء على أن الإكراه مانع من الوجوب، وهو الصحيح لقوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} أي طاقتها، والمكرَه لا طاقة له حين الإكراه؛ وقيل إن عدم الإكراه شرط في الأداء لا في الوجوب.
وتظهر ثمرة الخلاف في تكليف النائم والغافل والناسي والمكره فيما إذا زال العذر وأراد قضاء الفرض، هل ينوي الأداء بناء على أنه لم يكن مكلَّفاً حين العذر أو ينوي القضاء بناء على أنه مكلف حين العذر، وإنما الممنوع منه الأداء فقط.
43 ـ وليست الزكاةُ للصبيِّ - من ذاك والخطابُ للوليِّ
يعني أن وجوب الزكاة في مال الصبي ليس من ذاك أي ليس من خطاب التكليف بل هو من باب خطاب الوضع، والخطاب بوجوبها متعلق بالولي فيجب عليه إخراجها من مال الصبي الذي في حجره. وكذا وجوبها في مال المجنون فإنه من خطاب الوضع والولي هو المخاطب بوجوب إخراجها من ماله.
44 ـ وهْو بما ليس يُطاقُ قد يسعْ - عقلاً ولكن ذاك شرعاً امتنعْ
يعني أن التكليف بما لايطاق أي بالمحال يجوز عقلاً عندنا خلافاً للغزالي والمعتزلة سواء كان محالاً لذاته، وهو المحال عادة وعقلا كالجمع بين الضدين، أم لغيره وهو المحال عادة فقط كالطيران من الإنسان، أو عقلا فقط كالإيمان ممن علم الله أنه لا يؤمن كأبي جهل وأبي لهب.
(ولكن ذاك) أي المحال لذاته والمحال العادي لم يقع التكليف به في الشريعة اتفاقاً بين الفرقين. دليلنا على جوازه قوله تعالى {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} لأن سؤال دفعه يدل على جوازه، ودليلنا على عدم وقوعه قوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} أي طاقتها. ودليل الغزالي والمعتزلة على أن المحال الذي استحالته لغير تعلق علم الله بعدم وقوعه لا يجوز التكليف به عقلا أنه لا فائدة في طلبه من المكلفين لظهور امتناع وقوعه منهم. وأجيبوا بأن فائدته اختبارهم هل يهتمون ويقدمون على الامتثال فيترتب الثواب أو لا فيترتب العقاب. وأما المحال لتعلق علم الله بعدم وقوعه فالتكلف به جائز وواقع إجماعاً كإيمان أبي جهل لأن الله تعالى كلف الثقلين بالإيمان وقال {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}.
45 ـ ولاحِقٌ بذاك ما فيه حَرَجْ - ممَّا عن المُعتادِ يُلفى قد خَرجْ
يعني أن الفعل الذي فيه حرج أي مشقة على المكلف وكانت مشقته من المشقة الخارجة عن المعتاد من المشقات (لاحق بذاك) أي بالمحال، فلا تكليف به لأحد لقوله تعالى {ما جعل عليكم في الدين من حرج}، ولأن المشقة تجلب التيسير، ولذا شرعت الرخص كالقصر والفطر في السفر والفطر في رمضان.
46 ـ وليس منه كلُّ ما لم نَقْدِرِ - عليه من مُعتادِ فعلِ البشَرِ
أي وليس من ذي الحرج الملحق بالمحال في عدم وقوع التكليف به كل فعل لم نقدر عليه إلا بمشقة من كل فعل في طوق البشر عادة، بل الفعل الذي لا نقدر عليه إلا بمشقة قسمان:
فإذا كان الدوام عليه يؤدي إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه أو إلى وقوع خلل في نفس فاعله أو ماله أو حاله فهو من الفعل ذي المشقة الملحق بالمحال في عدم التكليف به لأن مشقته خارجة عن المعتاد، وإن لم يكن الدوام عليه يؤدي إلى شيء مما ذكر فليس من الملحق بالمحال لأن مشقته غير خارجة عن المعتاد من المشقة فلا تعد في العادة مشقة، إذ أحوال الإنسان في العادة كلها شاقة، لأنها دار تعب لا دار راحة قاله أبو إسحاق الشاطبي.
47 ـ واشتُرِطَ الإمكانُ عند الأكثرِ - ونسبوا خلافَه للأشعري
¥