تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعني أن إمكان إيقاع الفعل أي تمكن المكلف منه شرط في توجه التكليف عليه عند الأكثر من العلماء، فالنائم والساهي والملجأ والمكره غير مكلفين على الأصح، (ونسبوا) أي رواة علم الأصول القول المخالف لهذا القول وهو القول بأن الإمكان شرط في الأداء لا في توجه التكليف على المكلف للأشعري بناء على جواز التكليف بالمحال. قال في الغيث الهامع والمشهور منعه وإن جوزنا ذلك أي التكليف بالمحال لأن في ذلك فائدة الابتلاء، وتلك الفائدة مفقودة هنا في تكليف النائم والساهي. فالنائم والساهي والملجأ والمكره مكلفون حال العذر عند الأشعري، والممنوع منهم الأداء فقط. ومعنى كونهم مكلفين حينئذ أن الخطاب متعلق بذممهم.

48 ـ والاتفاقُ أنه قد وقعا - بما من المعلوم أن لن يقعا

يعني أن الاتفاق بين العلماء واقع على أن التكليف واقع شرعا بالفعل الذي ثبت في علم الله أنه لا يقع كإيمان أبي جهل وأبي لهب وكسائر المأمورات التي علم الله أن بعض المكلفين لا يمتثلها والمنهيات التي علم الله أن بعض المكلفين لا يجتنبها.

49 ـ وليس في التكليفِ شرطاً قطعا - أن يحصُلَ الشَّرطُ المرادُ شرعا

يعني أن حصول الشرط الشرعي كالطهارة مثلا ليس شرطاً في توجه التكليف على المكلف قطعاً، إذ يلزم على كونه شرطاً فيه أن المحدث غير مخاطب بالصلاة بعد دخول الوقت حتى يتطهر وأنه لا إثم عليه إذا خرج الوقت وهو لم يتطهر، وذلك خلاف الإجماع قاله ابن العربي.

وكالإيمان فإنه شرط شرعي في صحة الأعمال وقبولها اتفاقاً واختلف هل هو شرط في توجه التكليف أو لا، وإنما هو شرط في صحة الأعمال فقط وهو المشهور لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على المشهور.

50 ـ وهْيَ بحُكم الفرضِ في وقوعِ - تكليفِ مَنْ كَفرَ بالفروعِ

يعني أن مسألة الخلاف في وجود الشرط الشرعي كالإيمان مثلا هل هو شرط في توجه التكليف على المكلف أم لا؟ مفروضة في وقوع تكليف الكفار بفروع الشريعة في الشرع. فعلى أن الشرط الشرعي شرط في توجه التكليف يكون وجود الإيمان شرطاً في توجه التكليف لأنه شرط شرعي في صحة الأعمال اتفاقاً، وعليه فيكون الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، وبه قال أبو الحجاج يوسف الضرير. وعلى أن الشرط الشرعي ليس شرطاً في توجه التكليف لا يكون وجود الإيمان شرطاً في توجه التكليف، وعليه فيكون الكفار مخاطبين بفروع الشريعة، وهو المشهور كما في الحطاب.

51 ـ وباتفاقٍ قاطعِ البُرهانِ - أن خوطِبَ الكُفَّارُ بالإيمانِ

يعني أن خطاب الكفار بالإيمان بعد البعثة كائن باتفاق بين العلماء، برهانه أي ذلك الاتفاق (قاطع) أي لا ظني لكثرة أدلته من الكتاب والسنة ولانعقاد الإجماع عليه بين الأمة، ولأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أول ما يدعو الناس إليه الإيمان، وإنما لم نذكر شيئاً من أدلته لأنها أظهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر. وإنما كلف الكفار بالإيمان:

52 ـ ليحصُلَ التكليفُ بالمشروعِ - في حقِّهم من سائر الفروعِ

أي ليحصل تكليفهم بما شرع في حقهم من سائر فروع الشريعة، لأن التكليف بها متوقف على التكليف بالإيمان، لأنه أصلها ولا يمكن التكليف بالفرع دون التكليف بأصله.

53 ـ وأنهم ليسوا بمقبولي العملْ - حتى يُرى الإيمان منهم قد حصلْ

يعني أن الاتفاق بين العلماء واقع أيضاً على أنهم أي الكفار لا يقبل منهم عمل حسن كالإنفاق والإحسان إلى المخلوقين حتى يحصل الإيمان منهم، لأن الطاعة لا تنفع مع الكفار إذ الإيمان أصلها، وإذا سقط الأصل فالفرع أجدر منه بالسقوط، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "إذا عمل الكافر حسنة أطعمه الله بها طعمة في الدنيا"

54 ـ والخُلفُ في الخطاب بالفروعِ - ثالثُها بالنَّهيِ عن ممنوعِ

يعني أن الخلاف بين الفقهاء كائن في خطاب الكفار بفروع الشريعة، فقيل إنهم مخاطبون بها وهو المشهور، قال الباجي وهو ظاهر مذهب مالك لقوله تعالى حكاية عن الكفار حين قال لهم الملائكة {ما سلككم في سقر قالوا نكُ من المصلين .. } وقوله تعالى {وويل للمشركين الذين لا يوتون الزكاة} لأن تعذيبهم على ترك الصلاة وما معها ووعيدهم على ترك الزكاة يدل قطعاً على أنهم مخاطبون بها، والصلاة والزكاة من فروع الشريعة. ومذهب جمهور الحنفية وأبي حامد الإسفراييني أنهم غير مخاطبين بالفروع لأنها لا تصح منهم ولا يمكن أن يخاطب الإنسان بما لا يصح منه ولا يقبل، ولأنهم لو كانوا مخاطبين بها حين الكفر لوجب عليهم قضاؤها بعد الإيمان، وذلك باطل؛ وأجيبوا بأن القضاء بأمر جديد وذلك لم يرد. وقيل إنهم مخاطبون بالنواهي دون الأوامر لأن الأمر تتوقف صحته وقبوله على نية التقرب والامتثال، وتلك متعذرة منهم حال الكفر، والنهي لا يحتاج إلى نية، بل يخرج الإنسان من عهدته بمجرد تركه وإن لم يشعر به.

55 ـ وليس من ذلك باتِّفاقِ - ما مثلُ الاتلافِ على الإطلاقِ

يعني أن الخطاب بترتب الضمان على الإتلاف والدية والقصاص على قتل النفس وسائر الأروش على الجنايات وآثار العقود عليها وثبوت النسب وثبوت العوض في الذمة (ليس من ذاك) أي ليس من الخطاب المختلف فيه: هل هو متعلق بالكفار أم لا؟، لأن هذا خطاب وضع، وهو متعلق بهم إجماعاً، والكافر فيه كالمسلم اتفاقاً. والمراد بالكافر الكافر الذي تجري عليه أحكام المسلمين كالذمي، وأما الحربي فإنه لا يضمن متلفه ولا مجنيه، وقيل يضمن المسلم وماله بناء على أنه مكلف بالفروع، وردّ بأن دار الحرب ليست بدار تضمين.

فصل في الحقوق

[يتبع إن شاء الله]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير