تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذان السبيلان هما ما دلنا النص عليهما لإلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه، و بطل كل إلحاق عداهما.

انتهى الفصل الأول و يليه (أدلة إبطال القياس)

ـ[نصر الدين المصري]ــــــــ[26 - 08 - 06, 07:01 ص]ـ

الفصل الثاني

أدلة إبطال القياس

الدليل الأول:

معارضات العلة و قوادحها.

إن من أطرف ما يُبطل القياس هو ما عُرف عند القياسيين بمعارضات و قوادح العلة، أي الأمور التي تُبطل العلة المستنبطة، ففي ذلك اعتراف منهم أن الضوابط و المسالك التي وضعوها لاستنباط العلة يمكن أن تؤدي إلى استنباط خاطئ للعلة يُبنى عليه الكثير من الأحكام الخاطئة، و كفى بذلك دليلا على إبطال هذه المسالك، فلو كانت هذه المسالك حقا لما كان من الممكن أن تؤدي إلى الخطأ، و لما وجدت العلة التي تم الوصول إليها بإتباع هذه المسالك ما يعارضها و يُبطلها، و لو كانت هذه المسالك من عند الله لما أتاها الباطل من بين يديها و لا من خلفهما، و لكنها من عند القياسيين، و لذا نرى ما ترتب على القياس من عشرات الأحكام المخالفة للنصوص الصريحة، مع التزام أصحابها بالضوابط و المسالك الموضوعة لاستنباط العلة، و لكن غاب عنهم ما يقدح علتهم المستنبطة، و كذلك نرى اختلافهم في تحديد علة الحكم الواحد رغم استخدامهم لنفس المسالك، ثم نرى اختلافهم في معارضات العلة ذاتها، فما يُبطل العلة عند قوم من أهل القياس لا يُبطلها عند آخرين، فتصبح العلة الواحدة لأصل ما صحيحة عند الأُول باطلة عند الأخر.

و من ذلك نصل إلى أن مسالك استنباط العلة لا تضمن صحة العلة، و يبقى الشك في صحة العلة قائما، و بناء حكم شرعي لفرع على ما فيه شك لا يكون إلا من باب الظنون المنهي عن اتباعها، و قد قال تعالى (و إن الظن لا يغني من الحق شيئا)، فالظن المبني على الشك ليس من الحق بنص الآية، و مادام كذلك فهو باطل قطعا. فثبت بذلك بطلان الأحكام المقاسة.

الدليل الثاني:

حديث (ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فاتوا منه من استطعتم، و إذا نهيتكم عن شئ فدعوه)

و هذا النص فيه إبطال القياس حقا، ففيه حصر التكليف في أوامره و نواهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دون إضافة شئ إليها بقياس أو بغيره، كما نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيه عن السؤال عما دون أمره و نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أي نهى عن السؤال عن كل أمر مسكوت عنه، كما بين أن كثرة السؤال تؤدي إلى الخلاف.

و القياس يقوم على عكس ذلك تماما، فهو مبني على السؤال الدائم عن كل أمر مسكوت عنه لإلحاقه بالمنصوص عليه و في ذلك مخالفة ظاهرة للحديث المتقدم، و لذا نجد عند أهل القياس ألوف الأحكام المتعلقة بما يسمونه الفروع، و ما نتج كل حكم من هذه الأحكام إلا عن سؤال، فهم يسألون عن العلة في الأصل، و يسألون عن حكم هذا الفرع أو ذاك، و يسألون عن توافر العلة في صفات الفرع ... إلخ، و كل هذه الأسئلة باطلة بنص الحديث المتقدم و لقوله تعالى (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم و إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم). فلا يجوز السؤال عن حكم شرعي لأي أمر لم يبده الله لنا، كما بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن ما سكت عنه فهو عفو فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، و ما حرم فهو حرام، و ما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته و ما كان ربك نسيا) فكيف بالقياسيين يسألون عن أحكام هذا الكم الذي لا ينتهي من الفروع التي سكت الله عنها؟ ألم يصلهم النص الصريح أن ما سكت عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهو عفو لا يجوز البحث عن حكم له؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير